الجمعة، 30 مارس 2018

الشيعة والعلويون، تكفير مذهبي والتقاء سياسي

2-مرحلة فك العزلة:

لقرون طويلة ومنذ ان انعزل العلويون في جبال الساحل السوري منذ القرن الخامس الهجري فانه لم يعرف لهم اي اهمية على الصعيد المحلي او الاقليمي ولم يذكروا في التاريخ الا نادرا بصفتهم مجموعات قد تمتهن السلب والنهب للمناطق المجاورة في مدن اللاذقية وجبلة في فترات ضعف السلطة المركزية.... لكن هذا الحال بدأ يتغير اواخر سني الدولة العثمانية حيث اولى الغرب الاقليات الطائفية والعرقية في الشرق اهتمامه.
لقرون طويلة ومنذ ان انعزل العلويون في جبال الساحل السوري منذ القرن الخامس الهجري فانه لم يعرف لهم اي اهمية على الصعيد المحلي او الاقليمي ولم يذكروا في التاريخ الا نادرا بصفتهم مجموعات قد تمتهن السلب والنهب للمناطق المجاورة في مدن اللاذقية وجبلة في فترات ضعف السلطة المركزية.... لكن هذا الحال بدأ يتغير اواخر سني الدولة العثمانية حيث اولى الغرب الاقليات الطائفية والعرقية في الشرق اهتمامه.
ظهر اهتمام الفرنسيين بالنصيريين واضحا قبل احتلالهم سوريا، وبعد الاحتلال عمل الفرنسيون على إبراز الشخصية العلوية وقطع صلتها بماضيها في أذهان المعاصرين من غير العلويين فاستحدثت لهم اسم (العلويين) لربطهم بشخص علي بن أبي طالب الذي له الاحترام والتقدير عند السنة والشيعة ليكون الاسم بديلًا عن اسم (النصيريين) المشتق من محمد بن نصير المكَفَّر عند الشيعة والسنة، ثم أوجدت لهم دويلة في منطقة الساحل وأطلقت عليها اسم (دولة العلويين) ثم دفعت أحد موظفيها العلويين -محمد غالب الطويل- لينتج أول كتاب عن تاريخ النصيريين بالاسم الجديد وهو (تاريخ العلويين)، أما الجهد الأكبر والأبعد تأثيرًا فقد قام به أحد الشيوخ النصيريين وهو سليمان الأحمد الذي وقع على كاهله عبء التسويق للعلويين في الأوساط الشيعية على أنهم شيعة اثني عشريين منذ مطلع القرن العشرين لذا نستطيع أن نقرر أن سليمان الأحمد هو رائد التحالف الشيعي-العلوي الذي وصل إلى ما وصل إليه اليوم.
وسليمان الأحمد (1866-1942م) من قرية الجبيلية (قضاء جبلة - محافظة اللاذقية) عاش في اللاذقية وزار كيليكيا، وبيروت صيدا والنجف وأقام في بعضها. درس الفقه الجعفري خاصة، والنحو، واشتغل بالتعليم في قرية ديفة والسلاطة. وعُين رئيسًا لمحكمة الاستئناف في عهد الملك فيصل، ثم أصبح مع حزب الكتلة ،وانتُخب عضوًا في المجمع العلمي العربي في دمشق. أنجب أربعة من الأولاد: محمد (بدوي الجبل)، وأحمد، وعلي، وفاطمة
لم يكن سليمان الأحمد مجرد سياسي وأديب وفقيه جعفري ... بل كان عند قومه أحد أعظم شيوخ الدين العلويين في العصر الحديث ويطلقون عليه لقب "الشيخ الأمجد" وكان هو أول من بدأ في إنشاء العلاقات مع الشيعة والتسويق للعلويين بين الشيعة على أنهم اثنا عشريين وليسوا طائفة باطنية لذلك درس الفقه الجعفري وانشأ علاقات وثيقة مع معاصريه من مراجع الشيعة يدل عليها تلك القاءات والزيارات والتفاهمات التي حدثت بينه وبينهم، وقد ذكر عبد الرحمن الخير (1903-1982) جانبًا منها فقال:
"في عام 1332/1914م قام العلامتان سليمان الأحمد وإبراهيم عبد اللطيف مرهج بزيارة إخوانهما من علماء المسلمين الجعفريين في لبنان ودامت المحادثات أيام عدة أسفرت عن تعارف مذهبي وتفاهم أخوي ومودة صادقة"
لقد قام نشاط سليمان الأحمد على التقية فكان يظهر غير ما يبطن، فهو نصيري العقيدة بلا شك لكنه حاول استغلال الظروف لمصلحة قومه ليغير مواقف أهل السنة والشيعة منهم ويؤمن لهم قبولًا في تلك الأوساط على طريق الوصول إلى حكم سوريا الذي أصبح واقعا فيما بعد، ولم يكن حافظ الأسد هو أول من أوجد الحلف الإستراتيجي بين العلويين والشيعة بل كان الأسد من منجزات هذا التحالف الذي عمل عليه سليمان الأحمد، واعتمدته فرنسا منذ احتلال سوريا وإنشاء الدولة العلوية. ومما يؤكد أن سليمان الأحمد كان نصيري العقيدة - محكومًا بعقائد الأجداد والأباء- وأحد شيوخها ولم يكن ذلك الشيعي-الوطني كما أشاعوا عنه هو:
1. إن كان سليمان الأحمد شيعيًا جعفريًا فلماذا لم يبذل جهده في تحويل بني قومه إلى الجعفرية على وجه الحقيقة لا الدعاية والإعلان ؟ فلو كان سليمان الأحمد مقتنعًا بما كان يروج له لعمل عليه و لرأينا ثماره واقعًا في حين أن الواقع يقول إن العلويين قبل سليمان الأحمد هم نفسهم بعد سليمان الأحمد.
2. في مراسلات جرت بين محمد كرد علي و الشيخ سليمان الأحمد، استفسر كرد علي من سليمان الأحمد عن عقائد النصيريين و أحوالهم. فأرسل له سليمان الأحمد رسالة فيهاالجواب ،قال فيها:
«لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا ما أوجبته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام... إنما لهم طريقة كالنقشبندية والرفاعية وغيرهما من طرق الصوفية بالنسبة إلى أهل السنة. وهذا مصدر التقولات الباطلة عليهم... "
والحقيقة أن سليمان الأحمد استعمل التقية في الرد وانسل من معتقده وبرَّأ نفسه وقومه من العقيدة النصيرية بينما في مراسلات سليمان الأحمد مع معاصره الشيخ النصيري صالح ناصر الحكيم فقد أقر بعقيدته النصيرية وتأليهه لعلي بن أبي طالب، ففي إحدى رسائله لصالح الحكيم قال له: "إن اصل عقيدة هذا المذهب و قاعدة أمره أن الصورة المرئية هي الغاية الكلية الظاهرة بالسبع قباب من هابيل إلى أمير المؤمنين هي هي الذات المعبود..." ثم يختم سليمان الأحمد رسالته لصالح الحكيم بأبيات من الشعر يختصر فيها معتقده كله بقوله:
أشهد أن لا إله إلا     علي الأنزع البطين
و لا حجاب لديه إلا     محمد الصادق الأمين

و لا سبيل إليه إلا       سلمان باب الهدى المبين
و لا سبيل إليه إلا       سلمان باب الهدى المبين
و لا سبيل إليه إلا       سلمان باب الهدى المبين وإضافة لما سبق فإن سليمان الأحمد هو صاحب الشرح الكبير لديوان الشاعر النصيري الكبير الحسن بن مكزون السنجاري، وكلا الديوان والشرح يدوران في مواضيعهما حول العقيدة النصيرية وأصولها وجزئياتها
وإضافة لما سبق فإن سليمان الأحمد هو صاحب الشرح الكبير لديوان الشاعر النصيري الكبير الحسن بن مكزون السنجاري، وكلا الديوان والشرح يدوران في مواضيعهما حول العقيدة النصيرية وأصولها وجزئياتها 3. ذكروا أن سليمان الأحمد كان من المعادين للاستعمار الفرنسي و أعوانه و كان من المؤيدين للكتلة الوطنية. وإحدى الحقائق التاريخية هي أن العريضة التي رفعها أعيان الطائفة العلوية لحكومة اليهودي ليون بلوم و التي تطالب حكومة فرنسا بعدم الانسحاب من سوريا و تتباكى على يهود فلسطين ...كان من الموقعين عليها -إلى جانب سليمان الأسد جد حافظ- أحد أبناء سليمان الأحمد الشاعر المعروف بدوي الجبل باسم محمد سليمان الأحمد ،و لا ندري كيف يكون سليمان الأحمد معاديًا للفرنسيين و لإعوانهم و في نفس الوقت يكون ابنه من الغارقين في هذه العمالة للمستعمر و المطالبين ببقائه ،إلا إذا كان يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره علما ان بدوي الجبل له قصيدة يرحب بها بغورو عندما دخل الاخير دمشق
3. ذكروا أن سليمان الأحمد كان من المعادين للاستعمار الفرنسي و أعوانه و كان من المؤيدين للكتلة الوطنية. وإحدى الحقائق التاريخية هي أن العريضة التي رفعها أعيان الطائفة العلوية لحكومة اليهودي ليون بلوم و التي تطالب حكومة فرنسا بعدم الانسحاب من سوريا و تتباكى على يهود فلسطين ...كان من الموقعين عليها -إلى جانب سليمان الأسد جد حافظ- أحد أبناء سليمان الأحمد الشاعر المعروف بدوي الجبل باسم محمد سليمان الأحمد ،و لا ندري كيف يكون سليمان الأحمد معاديًا للفرنسيين و لإعوانهم و في نفس الوقت يكون ابنه من الغارقين في هذه العمالة للمستعمر و المطالبين ببقائه ،إلا إذا كان يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره علما ان بدوي الجبل له قصيدة يرحب بها بغورو عندما دخل الاخير دمشق
في الوقت الذي كان سليمان الأحمد يعمل على التقارب العلوي-الشيعي، ظهر في الأوساط الشيعية العربية شخصيتان كانتا سلفًا على علاقة وتواصل مع سليمان الأحمد، هما: محسن الأمين العاملي الذي هاجر من جبل عامل في لبنان ليقيم في دمشق في حي اليهود حيث الأقلية الشيعية هناك ليعمل على جمعها وتوعيتها، والشخصية الثانية هي عبد الحسين شرف الدين، الذي هاجر من العراق إلى جبل عامل في لبنان في نفس وقت هجرة الأمين ليعمل على جمع الشيعة في لبنان وتوعيتهم هناك، وبشكل أكيد كان هناك مراسلات بين الأطراف الثلاثة تناولت أمورًا شخصية و علمية
وإن كان سليمان الأحمد هو رائد النهضة العلوية الحديثة فإن محسن الأمين هو رائد البعث الشيعي في سوريا، ولا يمكن الكلام عن تاريخ الشيعة في لبنان ونهضتهم المعاصرة دون الإقرار بأن عبد الحسين شرف الدين هو باعثها. ولم يكن ظهور هذا الثلاثي: الأحمد-الأمين-شرف الدين في وقت واحد وقيام الصلات فيما بينهم محض صدفة أبدًا
مات الثلاثي: الأحمد-الأمين-شرف الدين في فترات متقاربة
عندما مات سليمان الأحمد سنة 1942م، مات وقد أوجد التواصل بين النصيرية والشيعة على مستوى النخب الفكرية وأقنع معاصريه من مراجع الشيعة كالأمين وشرف الدين ومحمد حسين كاشف الغطاء أنه وقومه جعفريون اثنا عشريون، وحصل من عبد الحسين شرف الدين على إجازة بالرواية عنه.
أما جهود محسن الأمين الذي توفي سنة 1952م فقد أثمرت في ربط أكبر أقلية دينية في سوريا (العلويون) مع أصغر أقلية دينية (الشيعة) ونتج عن ذلك أن أصبح للشيعة وزير في حكومة البعث الطائفي عام 1966 . وفيما يخص النصيرية فقد كان أول من برئ ابن نصير والخصيبي والنصيرية من تهم الغلو التي وصمتهم بها كل المصادر الشيعية، وألحقهم بالشيعة في موسوعته المعروفة باسم "أعيان الشيعة".
ولاحقًا مع مطلع السبعينيات سيظهر رجل دين شيعي عراقي هو حسن مهدي الشيرازي سينتقل من العراق إلى سوريا ليتابع ما بدأه الأمين حيث سيحيي مزار السيدة زينب وينشيء أول حوزة شيعية (الحوزة الزينبية) في سوريا

أما عبد الحسين شرف الدين فقد بذر في لبنان بذور الصحوة الشيعية وعندما حانت وفاته سنة 1957هـ أوصى أن يخلفه إيراني هو موسى الصدر الذي استدعي من إيران على عجل وأعطي الجنسية اللبنانية بمرسوم رئاسي بشكل مريب خلافًا للأصول المتبعة في لبنان من حظر التجنيس إلا على الموارنة

الخميس، 29 مارس 2018


الشيعة والعلويون. تكفير مذهبي وتوافق سياسي
1-الموقف الديني والتاريخي

لطالما اعتبر الجميع أن حافظ الأسد هو رائد العلاقات العلوية-الشيعية ومؤسس الحلف الإستراتيجي بينه وبين إيران منذ أن وصل الخميني إلى حكم إيران من خلف ولاية الفقيه... لم يكن الأسد أكثر من حلقة في هذا الحلف الذي بدأ منذ مطلع القرن العشرين، ولم يكن حافظ رائده بل كان مؤسسو هذا التحالف هم مشايخ ورجال دين من الطائفة العلوية والشيعية بمساعدة وتخطيط من دول استعمار سايكس بيكو.
ينتسب النصيريون إلى محمد بن نصير النميري (مولى لهم) (ت 260هـ)، واسم النصيريين هو الاسم الرسمي المعتمد للعلويين في كل المصادر الشيعية منذ أن ظهرت هذه الفرقة أواسط القرن الثالث الهجري.
 ومنذ أن ظهرت هذه الفرقة وشاعت كاحدى فرق الغلاة في العراق أولًا ثم الشام لم ينظر الشيعة الاثني عشرية إليهم على أنهم من الشيعة، فلم يسجل أي مصدر من كتب الرجال والتاريخ الشيعية القديمة ما يوحي بوجود ود بين الطرفين أو اعتراف من جانب الشيعة بالفرقة النصيرية على أنها من فرق الشيعة، ويتضح ذلك من خلال ما كتبه الشيعة عن محمد بن نصير رأس الفرقة النصيرية (العلوية)، فقد أجمع كل من الطوسي والنوبختي وابن أبي الحديد وابن داوود الحلي والخاقاني والكشي وابن شهرآشوب... وآخرون على أن ابن نصير كذاب غالي ملحد ادعى النبوة وأباح المحارم... ولم يخرجوا جميعهم عن القول التالي وإن اختلفت العبارة فيما بينهم :
«و قالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري و ذلك أنه ادعى أنه نبي و رسول و أن علي بن محمد أرسله و كان يقول بالتناسخ و الغلو في أبي الحسن  و يقول فيه بالربوبية و يقول بإباحة المحارم و يحلل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم و يقول: إنه من الفاعل و المفعول به أحد الشهوات و الطيبات و أن الله لم يحرم شيئًا من ذلك... و ذُكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عيانًا و غلام له على ظهره فرآه على ذلك، فقال: إن هذا من اللَّذات و هو من التواضع لله و ترك التجبر و افترق الناس فيه بعده فرقًا»[i]
وبالمقابل فإن أعلام العلويين بعد ابن نصير بادلوا الشيعة الاثني عشرية نفس الموقف ونفس الكُره واعتبروهم على ضلالة وتقصير في الاعتقاد وكثيرًا ما يشيرون إليهم باسم (المقصرة) ولربما لعنوهم وشتموهم كما نلاحظ في أشعار الخصيبي (260-346هـ) الذي يشبههم بالحيوانات كقوله:
فعُصبَة منهم مُقصرةٌ
تاهوا عن الحق كالبراذين[ii]
  
ويمدح الغلاة ( النصيريين ) و يلعن المقصرة (الشيعة) فيقول:
عن الغلو فديت القائلين به
 
ولعنة الله تخزي من يقصرنا[iii]
  
حتى ان الخصيبي يسخر من طقوس اللطم والنواح التي يؤديها الشيعة يوم عاشوراء في ذكرى مقتل الحسين بن علي،بقوله:
وباكي يبكي على ربه
 
لست بحمد الله من حزبه
  
بكى على المقتول في كربلاء
 
لا خفف الرحمن من كربه[iv]
  
أضف أن العلويين يعتبرون يوم كربلاء وقتل الحسين يوم فرح وسرور لا يوم ترح وبكاء كما يذكر ذلك المكزون السنجاري بقوله:

و ليوم عاشور فعندي و الذي
 
بسط البسيطة يوم عيدي و الهنا[v]
  
وبالمجمل لم يعتبر الشيعة العلويين منهم، وكذلك لم يعتبر العلويون أنهم من الشيعة، وحتى بالاعتماد على المنهج العلمي البحت فإن أصول العقيدة العلوية (السِّرية) ليست هي أصول العقيدة الاثني عشرية. وإن كانت كتب التاريخ ذكرت عن علاقة جمعت الخصيبي شيخ الطائفة النصيرية بسيف الدولة الحمداني الذي كان اثنا عشريا فان الخصيبي قدم نفسه لسيف الدولة على أنه شيعي اثنا عشري بدليل أن كل المؤلفات التي أهداها لسيف الدولة كانت في باب التشيع الاثني عشري لا الباطني النصيري. وما يقال عن علاقة الخصيبي بسيف الدولة يقال عن علاقته المفترضة بعز الدولة وعضد الدولة وعموم البويهيين الذين كانوا شيعة اثنا عشريين.
بدأت الروابط بين العلويين والشيعة تنقطع مع هجرة النصيريين من العراق إلى الشام في نهاية القرن الرابع هـ /العاشر م، وخلال الفترة بين القرن الحادي عشر ونهاية القرن التاسع عشر الميلادي لم يكن من علاقات ربطت العلويين الذين انعزلوا في جبال الساحل الشامي بالشيعة الذين تركزوا في العراق وإيران وأصبحوا على هامش التاريخ بعد أن غاب إمامهم المفترض في سرداب سامراء.
إن البعث العلوي في بلاد الشام والتمهيد والتمكين لهم في العصر الحديث لا ينفصل البتة عن البعث الشيعي في إيران والعراق ولبنان ثم ربط كلا الطرفين ببعضهما تحقيقا لسياسة الدول الاوربية الاستعمارية في إنهاء الوحدة السياسية للدولة العثمانية ومن ثم تقسيم التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا في سايكس بيكو وقيام كل منهما بإيجاد ركائز لاستعمار المشرق العربي اعتمادًا على إضعاف الغالبية المسلمة والتمكين للأقليات الطائفية لتكون الوريث والخليفة لهذا الاستعمار ينوب عنه في حكم المنطقة. ولم تكن فكرة استعمال الأقليات فكرة طارئة في العقلية السياسية الأوربية ذلك أن مرحلة الحروب الصليبية في القرون الوسطى كانت ماثلة تمامًا في عقليتهم يدل على ذلك ما قاله غورو عند قبر صلاح الدين: «ها قد جئتك يا صلاح الدين منتصرًا» وما قاله اللنبي بعد أخذ الإنكليز القدس من العثمانيين: "الآن فقط انتهت الحروب الصليبية[vi]
فمن خلال تاريخ الحروب الصليبية نعلم أن بلاد الشام عندما أخذها الصليبيون أخذوها من الفاطميين وهم من الأقليات الدينية الباطنية، وطوال فترة وجود الفاطميين بمصر كانت اوضاع الصليبيين على أحسن ما يكون ولم يواجهوا مقاومة تذكر، ولم تظهر حركة التحرير إلا عندما تم إسقاط هذه الدولة-الطائفة وظهرت دولة جديدة تنتمي للغالبية المسلمة التي تعيش في المنطقة. وبما أن المستعمر الحديث كان على يقين من أن بقاءه في المنطقة هو مسألة وقت كما كان بقاء الصليبيين مسألة وقت  فقد خططوا منذ وقت مبكر إلا يقعوا فيما وقع به صليبيو القرون الوسطى، لذلك كانت فكرة اعتماد الأقليات الدينية الموجودة في المنطقة هي خير وسيلة لبقاء النفوذ والاحتلال بشكل غير مباشر سيما أن هذه الأقليات قد عُرف عنها منذ قرون أن لا مشكلة جوهرية بينها وبين أوربا بل المصالح المشتركة هي أكبر وأكثر كما أثبت التاريخ ذلك، كمثال: الفاطمييون والصليبييون. الشيعة الصفويون ودورهم في فك الحصار العثماني عن فيينا. الدروز والحلف الذي ربط  فخر الدين المعني بإيطاليا ضد الدولة العثمانية. ومحمد علي باشاالبكتاشي في مصر وعلاقاته مع فرنسا وانكلترا  وتآمره على الدولة العثمانية ومحاولة إسقاطها.
لذا فقد بدأت الاهتمامات الفرنسية بالعلويين في الشام من قبل إتفاقية سايكس بيكو، وتمثل ذلك في الدراسات الجغرافية والاجتماعية والدينية لمنطقة جبال الساحل السوري منذ نهاية القرن التاسع عشر كتلك التي وضعها الضابط الفرنسي كاهون، أو التي وضعها رينه دوسو... وقد دخلت القوات الفرنسية منطقة الساحل منذ عام 1919 أي قبل دخول غورو للشام بنحو سنة.
لقد كانت الخطة الفرنسية في بعث العلويين وتهيئتهم ليكونوا ذراعها في سوريا بعد الاحتلال تقوم على إعادة إنتاج العلويين وفك عزلتهم وتلميعهم وتقديمهم من خلال ربطهم بالشيعة من جهة وتأمين القبول لهم بين أهل السنة من جهة أخرى. وقد مر تاريخ العلاقات بين العلويين والشيعة منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا في أربع مراحل



[i] رجال الكشي-ص323-طبعة حجرية-مكتبة جامعة كولومبيا.
[ii] الموسوعة الشعرية العربية- ديوان الخصيبي –ص 20-مؤسسة محمد بن راشد 2009
[iii] ديوان الخصيبي – ص 29
[iv] ديوان الخصيبي-ص48
[v] إبراهيم مرهج-شرح ديوان المنتجب-ص172-مخطوط
[vi] سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق، ص 149

الثلاثاء، 20 مارس 2018



العام 1306 والنكبة مستمرة


ابتدأت النكبة العربية الكبرى على وجه الحقيقة منذ عام 132هـ بسقوط الدولة الاموية ولم تنتهي فصولوها بهذا السقوط بل تتابعت النكبات على العرب بأيدي العرب أنفسهم حتى خرجوا من التاريخ وانعزلوا جانبا ووقفوا على الهامش ولا زالت عزلتهم ووقوفهم على الهامش مستمرا.
بدأ الاسلام عربيا خالصًا في نشأته الاولى فالنبي كان عربيا وكل اصحابه كانوا عربا باستثناء افراد قليلين من الروم او الفرس، وتوسع الاسلام وامتد ووصلت إمبراطورته الى اقصى اتساعها على يد العرب فعشية سقوط الدولة الاموية عام 132هـ كان الاسلام قد وصل الى الذروة في قوته السياسية والعسكرية وكان الحكم والادارة والجيش عربيا خالصا، ولم يجد العباسيون في اسقاط الحكم الاموي ذي الطابع العربي الخالص سوى الاعتماد على الاعاجم من الموالي الفرس فجندوهم ليكونوا قواتهم وراس الحربة في اسقاط حكم بني امية ونجحوا في ذلك وقبض الفرس الثمن الذي كان اشراكهم في الحكم والادارة والجيش على حساب العرب الذين دفعوا الثمن باهضا على حساب وصول العباسيين للسلطة فقد كانت وصية إبراهيم بن محمد العباسي لابي مسلم: "إن استطعت ألا تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله..." وعليه فعندما وصلت طلائع جيوش العباسيين الى دمشق كان عدد من قتلهم الخراساني قد وصل الى نصف مليون جلهم من العرب كما ذكر الطبري في تاريخه
وبناء على ما سبق فان النكبة العربية لم تحدث في العصر الحديث وانما بدأت عام 132هـ عشية وصول العباسيين للحكم وبطشهم بالعرب وكان ذلك أحد الاسباب البعيدة التي اقصت العرب عن مسرح السياسة وجعلتهم رعية بعد ان كانوا هم الراعي، وقد أدرك من بقي من القبائل العربية وقتها مقدار ما وقع عليهم من الجور والتهميش فقال شاعرهم
ليت جور بني امية عاد لنا == وليت عدل بني العباس في النار
ولم تجد محاولات من بقي من القبائل العربية في الجزيرة والشام في الثورة على العباسيين والعودة الى سالف عهدهم زمن بني امية اذ قمعت ثوراتهم كلها
وسارت الامور منذ بداية العصر العباسي على ما يشبه القاعدة في ان الخلفاء عرب والوزراء فرس، وان كان الخلفاء العباسيون الاوائل قد نجحوا لفترة في اقامة توازن بين العرب والفرس الا ان النزعة العرقية انتصرت في النهاية وظهرت جلية خلال نزاع الاخوين الأمين والمأمون سنة 198هـ الذي كان صداما عرقيا حاول فيه العرب الذين اصطفوا مع الامين ان يقصوا الفرس، لكن المأمون الذي ازره الفرس انتصر وكان انتصاره انتصار للفرس وهزيمة للعرب. وكان موقف العرب هذا من المأمون سببا في بغضه لهم ومن ثم ابعادهم عن أي مركز سياسي او عسكري في الدولة ولم يبق من رابط بين العرب والدولة زمن المأمون سوى ديوان العطاء. وقد نكون حركة الاعتزال التي تبناها وفرضها هي نوع من القضاء على الفهم العربي للإسلام لصالح فهم فارسي مستمد من ثقافات ما قبل الإسلام ليتخلص من المأمون من الفكر السني التقليدي والشيعي الموالي لأهل البيت
لقد تعرض العرب خلال القرن الأول من حكم بني العباس لضربتين، الأولى على يد الخرساني التي افنت اعدادا كبيرة منهم، والثانية على يد المأمون التي ابعدتهم عن أي مركز سياسي او عسكري
وعندما ورث المعتصمُ المأمون ورث مع الخلافة مشكلة التنازع العربي-الفارسي فظن انه بإقصاء كلا الطرفين واصطناع عصبية جديدة من الاتراك كانت كفيلة بحل المشكلة العربية-الفارسية ولكنه من حيث يدري او لا يدري ضرب العرب فأسقطهم من ديوان العطاء وهو الرابط الأخير الذي كان لا يزال يجمع العرب بالدولة ، ولكي يخرج المعتصم نفسه من الوسط العربي-الفارسي في بغداد ابتنى له عاصمة خاصة (سامراء) وارتحل اليها مع الاتراك واعتبارا من هذا التاريخ يمكن القول ان العرب صاروا من رعايا الدولة العباسية وما بدا انه محاولة للتخلص من النزاع العربي-الفارسي ظهر لاحقا ان ما فعله المعتصم لم يكن سوى انهاء لدور العرب وتحويل الصراع الى صراع فارسي-تركي. والمحاولة الوحيدة التي كانت من الممكن ان تصنع فارقا على وضع العرب فيما لو تمت كانت محاولة المتوكل بن المعتصم نقل العاصمة من العراق الى دمشق لكنه دفع ثمنها على يد الاتراك قتلا سنة 247هـ وابتدأ من يومها حكم العجم وصار الخليفة يملك ولا يحكم وصار يتم اختياره من قبل من له السلطة العسكرية واحيانا يتم قتله او عزله واستبداله باخر ، وعندما نشب النزاع بين المستعين والمعتز  سنة 252هـ على الخلافة وهو نزاع شبيه بنزاع الأمين والمأمون فان الاصطفاف العرقي بدا كما لو انه اتراك ضد الفرس فقد انحاز الاتراك للمعتز في سامراء، وانحاز اهل بغداد للمستعين يقودهم فارسي هو طاهر بن عبد الله حفيد طاهر بن الحسين قائد قوات المأمون في حربه مع الأمين. وكان العرب هم الغائب كمؤشر ان العرب لم يعد لهم أي أهمية في شؤون الدولة مطلقا، ولمدة قرن بعد قتل المتوكل تقاسم الفرس والترك السلطة على ما يشبه القاعدة في ان (السلطة العسكرية) للاتراك، والوزارة (السلطة السياسية) للفرس، والخلفاء أبناء الجواري الذين يختارونهم مهمتهم إعطاء الشرعية لحكم الوزير وامير الامراء بحسب ما يريدان لا بحسب ما يريد حتى عام 334هـ  حيث استفرد الفرس الديلم بشؤون الحكم كله وما ظهر من امارات عربية شيعية في بلاد الشام وشمال العراق خاصة امارة بني تغلب الحمدانيين في حلب والموصل لم تكن سوى امارات شخصية محمولة، تظهر وتنحسر تبعا للظروف، واعتمد وجودها على موافقة الديلم في بغداد مقابل اتاوات يقدمها الحمدانيون لهم، وانحصر تفكير القائمين عليها في السيطرة على الأرض بغية الحصول على المال لتمويل مشاريهم الشخصية ودفع المستحقات للديلم وكانت سياسة القائمين عليها اقرب للصوصية منها الى إدارة  دولة
وهكذا تعاقب على إدارة الدولة باسم الخليفة بعد العرب: الفرس والأتراك والبويهيون الديلم ثم السلاجقة الترك ، وجاء الغزو المغولي ليسقط كل الدول الإسلامية (الفارسية) في مشرق الخلافة وسقطت بغداد وانتهت خلافة بني العباس فيها وانتقل الثقل السياسي الى بلاد الشام ومصر ولم يكن للعرب سكان البلاد أي دور بل تعاقب على إدارة المنطقة الدول ذات العصبية الاعجمية، فمن قبل هولاكو واجتياحه كان السلاجقة بحكم الفتح قد اقتسموا بلاد الشام فيما بينهم وصارت لهم امارات حتى وحدها عماد الدين زنكي وابنه نور الدين وضم اليها مصر ليحكم البلدين من قبل الزنكيين التركمان، ثم ورث صلاح الدين مملكة الزنكيين واقام عليها مملكته وقسمها بين أبنائه واخوته ليحكم البلدين من خلال الاسرة الايوبية الكردية، وجاء مماليك الايوبيين لينقلبوا على اسيادهم وينشئوا حكمهم المديد حيث حكمت المنطقة من قبل الترك والشركس حتى جاء الغزو العثماني انطلاقا من الاناضول لينهي حكم المماليك ويتبع البلاد الى الإدارة العثمانية التركية حيث تناوب  الولاة الاتراك طوال أربعة قرون على حكم المنطقة لاسيما بلاد الشام التي  تعاقب على حكمها الأقليات غير العربية بعد العثمانيين حتى مرحلة سيطرة الأقليات غير السنية وكأن الامر كان معد له لابقاء العرب السنة على الهامش حتى اليوم