العلويون والشيعة

4-الحلف الفارسي- العلوي:


في عام 1978 أخرج العراق الخميني من أراضيه فتلقى عرضًا من الأسد أن يقيم في سوريا لكن الخميني آثر فرنسا لغاية في نفسه أو في نفس من وراءه[i]. حدث هذا بعد شهر من مقتل موسى الصدر الذي وقع في 31 اب 1978، وبعد هذا الحدث بستة شهور كان الخميني على متن طائرة فرنسية متوجهة إلى طهران ليكون على قمة السلطة هناك مستفتحًا عصر ولاية الفقيه.
لقد كان كلًا من الأسد والقذافي وأطراف أخرى خفية هي وراء قتل موسى الصدر والهدف هو إفساح المجال للخميني، ذلك أنه في ذلك الوقت كان الصدر أشهر شخصية شيعية وكانت طموحاته تتعدى زعامة شيعة لبنان إلى زعامة الشيعة في العالم، ولم يكن من طريقة لإزاحة الصدر وإفساح المجال للخميني سوى بالتخلص من الصدر وهذا ماكان. وتبع ذلك بعد فترة تفكيك حركة امل لصالح التيار الخميني المتدثر بدثار امل فانشق الخمينيون عن «امل الصدر» وشكلوا «امل الإسلامية» بزعامة حسين الموسوي ثم لم يلبثوا أن غيروا الاسم إلى «حزب الله» الذي أعلنها بلا مواربة انه يتبع ولاية الفقيه الممثلة باية الله  الخميني، كان ذلك عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وبموافقة من الأسد وتسهيلات منه أدارت السفارة الإيرانية (علي محتشمي)  في دمشق حزب الله ومولته ودربته من خلال قوات الحرس الثوري الإيراني التي سمح لها الأسد أن تفتتح معسكرات التدريب للشيعة في البقاع فصار لإيران جيبًا في لبنان وأصبح الحزب الشيعي الخميني ذراعًا لها استطاعت اعتمادًا عليه السيطرة على لبنان وتحويله إلى محمية ايرانية شيعية.
وعلى الجانب الآخر من سوريا من الشرق اندلعت الحرب الإيرانية العراقية مع مقدم الخميني للسلطة، وخلافًا لما تقتضيه مباديء حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق من ضرورة مؤازرة الأخ العربي انسجاما مع مباديء حزب البعث فإن الأسد العلوي آثر الخميني الفارسي الشيعي على العربي ولا شك أن العامل العقائدي (الديني) كان أحد العوامل المهمة وراء دعم الخميني وإيران ضد صدام حسين والعراق، ولم يكن دعم الأسد لإيران مقتصرًا على الإعلام بل شارك في الحرب بشكل مباشر فتحولت سوريا إلى ممر للأسلحة السوفيتية المتوجهة إلى إيران، وقاعدة لاستقطاب الشيعة وتدريبهم قبل عبورهم إلى إيران، وتحول الاقتصاد السوري إلى مؤازر للاقتصاد الإيراني، وقيل أن الطائرات السورية شاركت في نهايات الحرب في قصف أهداف عراقية لصالح إيران
وهكذا وبرعاية ومساعدة من الأسد استطاعت إيران الخمينية أن تمد جسرًا إلى قلب العالم العربي لتصبح ركنًا أساسيا فيه، وما فعله الأسد كان نظير ما فعله الشيعي ابن العلقمي عندما اغرى هولاكو باجتياح العراق فانساحت قوات المغول في العالم العربي ناشرة الخراب كما انساح النفوذ الإيراني اليوم معيدًا نفس الخراب.
إن ما بدأه شيوخ العلويين والشيعة من علاقات وروابط مطلع القرن العشرين أثمر في فترة الثمانينيات والتسعينيات عن حلف استراتيجي بعيد المدى جمع الشيعة ممثلين بإيران وأحزابها المسلحة في المنطقة، والعلويين ممثلين بحكام سوريا، هذا الحلف تحول بعد العام 2000م إلى هيمنة إيرانية على سوريا بموافقة ورضا بشار الأسد بحيث تحولت سوريا إلى محمية إيرانية يتبادل فيها العلويون والشيعة أسباب وجودهم وبقائهم، فبقاء إيران ومشروعها الشيعي الصفوي كقوة ونفوذ في المشرق العربي يرتبط إلى حد بعيد ببقاء العلويين حاكمين ومهيمنين على سوريا، وبقاء العلويين في حكم سوريا يستمد بقاءه من قوة إيران ووجودها، وهذا الوضع موافق عليه أوربيًا وأمريكيًا وإسرائيليًا فأن تُحكم المنطقة بأقليات طائفية هو الوضع الأمثل الذي يضمن أمن إسرائيل ومصالح الغرب الاقتصادية والعسكرية ويبقي المنطقة في حالة توتر دائم يستنزف إمكانياتها ويمنعها من النهوض. يقول «روبرت دريفوس» صاحب كتاب «لعبة الشيطان»: إن إسرائيل ترى الأقليات حلفاء لها مثل الموارنة والدروز والعلويين والشيعة... وهناك دراسات عديدة في مراكز الأبحاث توصي بالتعامل مع الإسلاميين الشيعة لأنهم يمكن الوثوق بهم على خلاف الإسلاميين السنة.. بل يدعوا باحثون مثل ريتشارد بيرل ودانييل بليتكا لقيام جمهوريات شيعية في المنطقة[ii]... وتسليم المنطقة للأقليات بصفتهم حلفاء موثوقين هو الاستثمار الذي عملت عليه الدول الاوربية منذ احتلالها للمنطقة وقد أصبح اليوم حقيقة، ولا مجال لإسقاط هذا المشروع إلا بكسر العمود الفقري لإيران (العلويين) أو كسر العمود الفقري للعلويين (إيران).




تعليقات