النصيريون و اليهود - بيع الجولان


كيف باع العلويون الجولان :

خلال شهر نيسان من عام 1967 حدث اشتباك جوي بين المقاتلات السورية و الاسرائيلية التي وصلت الى فوق دمشق و قصفت اهدافا في محيط العاصمة  و قالت الاذاعة السورية يومها ان جيشنا اسقط خمس طائرات اسرائيلية بينما قالت اسرائيل انها اسقطت اثنتي عشر طائرة سورية  ، ثم صدر بلاغ اردني يقول ان ثلاثة طيارين سوريين موجودين في الاردن تم اسقاط طائراتهم فوق الاردن .  و كان لهذه الحادثة ضجة كبيرة في سوريا و دول الجوار اذ كانت اول مرة تحدث منذ عام 1948، و على اثر ذلك ادلى وزير الدفاع السوري حافظ الاسد بتصريح اكد فيه على جاهزية القوات المسلحة و قدرتها على شن الهجوم داخل العمق الاسرائيلي و ليس فقط الدفاع عن سوريا ، و عندما سئل : كيف سيكون ردنا في حالة اعتدت اسرائيل على سوريا ؟ أجاب :
" اصبحت استعداداتنا لمواجھة اي عدوان كاملة وقد اخذنا بعین الاعتبار احتمال تدخل الاسطول السادس. ومعرفتي لامكانیاتنا تجعلني اؤكد بأن اية عملیة يقوم بھا العدو ھي مغامرة فاشلة.وقد اصبحت قواتنا جاھزة ومستعدة لیس فقط لرد العدوان وانما للمبادرة لعملیة التحرير بالذات ونسف الوجود العدواني الصھیوني من وطننا العربي. وھناك اجماع من جیشنا الذي طال استعداده ويده على الزناد في المطالبة بالتعجیل في المعركة، ونحن الان بانتظار اشارة من القیادة السیاسیة. وانا كعسكري ارى ان الوقت قد حان لخوض معركة التحرير ولابد على الاقل في نظري، من اتخاذ حد ادنى من الاجراءات الكفیلة بتنفیذ ضربة تأديبیة لاسرائیل تردھا الى صوابھا وتجعلھا تركع ذلیلة مدحورة تعیش جوا من الرھبة والخوف يمنعھا من ان تفكر ثانیة بالعدوان. ...."(1) و بالغ الاسد بقوله ان طائراتنا قد حلقت فوق تل ابيب اكثر من مرة و ان اختراق اجوائنا من قبل العدو هو امر طبيعي يحدث و قد يحدث و لا علاقة له بالضعف او القوة ....
هذا ما ادلى به حافظ الاسد قبل حرب حزيران 67 بشهر واحد عن حالة الجيش الذي يقوده و امكانياته و قدراته  .... كان وزير الدفاع يكذب عن سبق الاصرار و الترصد ، فحالة الجيش السوري كانت قد وصلت بعد انقلاب البعث 1963و وصول ابناء الاقليات الى راس السلطة السياسية و العسكرية ، كانت حالة مزرية و مشينة ، فالجيش لم يكن قادرا على شن هجوم و حسب بل كان عاجزا عن ان يحمي دمشق فيما لو قررت اسرائيل الحرب ، لقد كان وزير الدفاع كاذبا بحكم الوقائع و شهادة الشهود من البعثين انفسهم فقد قال سامي الجندي : لقد حذرت حكومتي اعتمادا على التقارير التي كانت تصلني بصفتي في لجنة المتابعة العربية ان اسرائيل تنوي احتلال الجولان و ان قواتنا العربية كلها مجتمعة لا تعادل نصف قوة اسرائيل و لكن صيحاتي ذهبت ادراج الرياح اذ يبدو ان الحكم في سوريا كان يعد لهزيمة على مستوى الامة كلها .و ما ذكره الجندي اكده  تقرير نشرته  مجلة التايم الامريكیة في الشھر الاول من عام ١٩٦٧  تضمن وصفا لامكانيات  الجیش السوري ورد فیه :
"ان ھذا الجیش المسلح بأسلحة روسیة قديمة يبلغ تعداده ( 60  ) الفا بینما لدى اسرائیل جیش تعداده ٣٥٠ الفا كما تملك سورية اقل من ٥٠٠ دبابة و ١٢٦ طائرة، منھا ست وعشرون طائرة میغ  21فقط يمكن استعمالھا في الخطوط الامامیة، فالقوات السورية ناقصة بشكل مشین لان التطھیر شمل اكثر من نصف ضباطھا، وعمداء الیوم كانوا نقباء منذ امد لا يتجاوز الثلاث سنوات، واكثر من ذلك فإن ثلث الجیش السوري مقیم في دمشق لدعم النظام وحمايته". (2)
قبل انطلاق حرب الخامس من حزيران ارسل الملك الحسين بن طلال رسالة الى عبد الناصر عن طريق الفريق عبد المنعم رياض و كلفه بايصالها لعبد الناصر شخصيا و مما جاء فيها :
ان الجماعة في سوريا مخترقين و بعضهم متواطئ مع جهات لديها خططها و هم يسعون لاشعال حرب بهدف اقحام مصر فيها ثم توجيه ضربة قاضية لها (3)
و كلام شبيه بكلام الملك الحسين قاله سامي الجندي ايضا : لقد كان الحكم في سوريا يعد لهزيمة للعرب كي يبقى الثوري الوحيد سيد المناخ الثوري العربي  ( 4)
عندما شنت اسرائيل هجومها على القواعد المصرية و افتتحت الحرب فجر الخامس من حزيران عام 1967 فان الجيش السوري الذي كانت يد افراده على الزناد ينتظر محاربة اسرائيل – كما وصفه الاسد – لم يعلن الحرب على اسرائيل مستفيدا من انشغال العدو على الجبهة المصرية بل انتظر قادته حتى قام الطيران الاسرائيلي بتدمير العدد القليل من الطائرات السورية في حظائرها بعد ساعات من تدمير القوات الجوية المصرية  و عند ظهيرة الخامس من حزيران اعلن وزير الدفاع الحرب على اسرائيل ، و خلال اليومين التاليين من الحرب لم يسعى الجيش السوري لتوسيع هجومه على العدو مستفيدا من انشغاله في سيناء بل اكتفى بقصف سهل الحولة ، و عندما طلبت مصر وقف اطلاق النار في اليوم السابع فان القيادة السورية لم تفعل المثل بل انتظرت حتى انكفئ الجيش الاسرائيلي باتجاه الجولان و اخترق تحصيناته و بعد ان سقط الجولان طلبوا وقف اطلاق النار ، هذا الوزير –حافظ الاسد - نفسه من استبق سقوط الجولان و اعلن سقوطه قبل ساعات من دخول القوات الاسرائيلية اليه (5) و في الوقت الذي كانت القوات السورية لا زالت في الجولان اعلن وزير الدفاع سقوط الجولان و حرض جنود الجيش على قتال العدو بالسكاكين و الشوك ثم اصدر امرا بانسحاب كيفي من الجولان .
 حدثني احد الذين حاربوا في الجولان فقال : لم نر اسرائيليا واحدا لنقاتله في الوقت الذي كانت الاذاعة السورية تعلن سقوط الجولان ، ثم جاءنا امر بانسحاب كيفي فخرجنا من مواقعنا و عدت قافلا الى دمشق سيرا على الاقدام   ، لم نر عدوا في الجولان لنقاتله قبل انسحابنا
هذه حقيقة شهد بها جنود و سياسيون و عسكريون ، و الحقيقة التي لا شك فيها ان اسرائيل لم تكن لتستطيع اختراق تحصينات الجولان و السيطرة عليه لولا الامر الذي وجهه وزير الدفاع للجيش المرابط هناك بالانسحاب ، فمرتفعات الجولان كانت حصنا طبيعيا يعجز أي قوة عسكريةفي ذلك الوقت على اختراقه ، و هذا كلام شهد به الامريكيون انفسهم ، حيث جاء في وصف لمرتفعات الجولان و تحصيناتها في مجلة التايمز الامريكیة اوائل شھر ايلول عام ١٩٦٧ ما يلي: :
" "تسیطر سوريا على سلسلة من التلال الصخرية الشديدة الانحدار تمتد لمسافة اربعین میلا،وتشرف على سھول منكشفة للنیران، على جوانب التلال ثلاثة خطوط دفاعیة مستقلة فوق بعضھاوكل خط تحمیه طبقات ثلاث من الالغام، واسلاك شائكة واستحكامات منیعة، وللوصول الى الطبقةالعلیا يجب عبور تسعة خطوط، ماجینو مصغرة، وعلى كل طبقة من الطبقة العلیا تكمن متاريس صخرية تحت الارض وابراج مدفعیة من الخرسانة تبلغ سماكة جدرانھا خمسة اقدام، وتربط كل ھذا انفاق سمیكة الجدران، وقد حفرت المرائب في الارض لتضم الدبابات والمركبات، وتحمي مواقع المدفعیة طبقة ارضیة ارتفاعھا عشرين قدما، كذلك زرعت حقول الالغام بفخاخ ضد الدبابات".
لم يكن حافظ وحده في مؤامرة تسليم الجولان بل كان معه كل من صلاح جديد (الامين القطري لحزب البعث ) و وزير الخارجية ابراهيم ماخوس ، و كلهم من العلويين و لا ادل على مقدار الفضيحة التي صنعها هذا الثلاثي يومها من انهم اتخذوا قرارا بعدم حضور مؤتمر القمة العربية في الخرطوم لمعالجة تداعيات الهزيمة ، و للتمويه على الشعب المخدوع ارسلوا وزير الخارجية ما خوس ليحضر المؤتمر كما اعلنوا غير ان ماخوس وصل الخرطوم و بقي منزويا في الفندق حيث يقيم و لم يجرؤ على المشاركة في الاجتماعات فلما انفضت القمة عاد الى دمشق ، و يعلل اكرم الحوراني تهرب ماخوس من حضور القمة بقوله :
أن نیة المؤتمرين كانت تتجه لاستجواب وزير الخارجیة السوري عن الاسباب التي دعت سورية لعدم خوض المعركة، خلال انشغال الجیش الاسرائیلي في المعركة مع مصر، مع انھا كانت سببا من اسباب الازمة وكانت تحرض على الحرب مع اسرائیل.(6)

لقد كانت صفقة سلم بها حافظ الجولان مقابل تفاهمات تقضي فيما تقضي بوصوله لحكم سوريا بدا ذلك واضحا بعد الحرب حيث اخذت كفة حافظ ترجح في السيطرة و النفوذ في سوريا على حساب الذي مكنه و رقاه من قبل و هو صلاح جديد حيث استطاع حافظ الاطاحة باحد اهم رجالات جديد احمد سويداني (7) رئيس الاركان و نصب مكانه صديقه القديم مصطفى طلاس  عام 1968 ، و مع تصاعد النزاع بين جديد و الاسد بدا واضحا ان الصراع هو بين الشرق السوفياتي و الغرب الامريكي و كان الاسد هو رجل الغرب ازاء جديد البعثي الاسم الماركسي التوجه و لا يمكن فصل الدعم الغربي للاسد عن موقفه من قضية الجولان و التسهيلات التي قدمها لاسرائيل حليفة الغرب في ذلك ، و في هذا يقول يوسف زعين اخر رئيس وزراء بعثي قبل انقلاب الاسد عام 1970:
وأن مجيئ الاسد  للحكم يأتي ضمن ترتيبات القرار    242" ، القرار الصادر عن مجلس الامن  بعد حرب 1967مشيرا إلى أنه قبل أن يتولى الحكم "قررنا عزله، ولكن تراجع أحد الأشخاص عن التصويت أوقف القرار (8)
و هناك شاهد من الجهاز الحاكم في تلك الفترة حول قضية بيع الجولان اثرت تركها لخاتمة هذا المقال فهي تكفي للدلالة عما اقترفه النصيريون بحق سوريا ، هذه شهادة احد قدامى حزب البعث و قيادات الصف الاول  و اول وزير للاعلام في عصر البعثيين ثم سفيرا لهم في باريس  ، هي شهادة السياسي و الاديب سامي الجندي ، و هو اخو رئيس المخابرات العامة في ذلك الوقت عبد الكريم الجندي الممثل للجناح الاسماعيلي في حكم الاقليات الطائفية ، ننقلها كما جاءت في كتابه (كسرة خبز) باختصار ، يقول سامي الجندي :
جاءني وزير الخارجية ابراهيم ماخوس و قال مراوغا و محيطا حديثه بهالة من القدسية عن التضحية طالبا ان يبقى الحديث سرا بيني و بينه ، قال لي  يجب ان تلتقي آبا ايبان (وزير الخارجية الاسرائيلي) من اجل الجولان ، قال لي انه يقوم بلعبة ذكية ستفاجئ العالم و تنقذ جزء عزيزا من ارض الوطن و اننا ان نجحنا فسنسجل نصرا تاريخيا اهم من غزو جبل طارق
يقول الجندي : فاستمعت اليه و هو يشير بيديه غير مصدق ثم سألته : هل الرفاق (البعثيون) موافقين على ذلك ، فقال و قد اخذه الحال : و هل تظن انهم يرفضون خاصة اذا بقي الموضوع سرا بيننا ؟ ، قلت اعطني تفويضا شخصيا منك ان تعذر ان يكون جماعيا يبقى سرا بيننا فيما لو عرف الناس بالامر ، فغضب الدكتور ماخوس و قال : انتم جيل الحزب الاول لم يعد منكم (كار) لقد هرمتم و خرفتم و لم تعودوا اهلا للتضحية ، ثم اخذ يسرد قصة الجنرال الانكليزي الذي مثل الخيانة على الالمان و اعدمته بريطانيا لتثبت مزاعمه و لتجعل الالمان يصدقوا تقاريره ثم برئ بعد الحرب ، يقول الجندي : رأيتني بعين خيالي معلقا في ساحة المرجة و تساءلت لم ؟ هل يعود الجولان على جثتي ؟ ان من يعرف ماخوس جيدا يعلم انما هو صوت معلمه (جديد او الاسد) لقد حذرت الحكومة مرارا و تكرارا ان اسرائيل تنوي احتلال الجولان و لقد دخل العرب حرب حزيران و قواتهم كلها نصف قوة اسرائيل و لم يكن احد من المسؤولين يجهل ذلك فكيف تعيد اسرائيل الجولان بلعبة ثورية ذكية ؟
قلت لماخوس : و ما ثمن الجولان ؟ قال : الاعتراف باسرائيل
ثم يردف الجندي فيقول : كنت شاهدا على استغاثات الدكتور ماخوس يوم طلب وقف اطلاق النار : نسلم القنيطرة ليقف الزحف ... فامر الجيش بالانسحاب ، هناك اسئلة كثيرة ترد للذهن : لماذا لم يطلب الحكم السوري وقف اطلاق النار مع مصر و الاردن ما دام الاستمرار بالقتال مستحيلا ؟ يجيب الحكم السوري : انه كان ينوي متابعة الكفاح المسلح و لا ننس ان الحدود السورية لم تمس الا في 9 حزيران
ان العسكريين الذين حاربوا في الجولان فعلوا ذلك دون اوامر ، اما الذين انسحبوا فقد انسحبوا بناء على خطة ... ترى ما هي الخطة ؟ لقد تم اخلاء الجولان من سكانه منذ 5 حزيران .. لماذا ؟ لست بحاجة للقول ان اعلان سقوط القنيطرة قبل ان يحصل امر يحار فيه كل تعليل ...فوجئت لما رأيت على شاشة التلفزيون مندوب سوريا في الامم المتحدة يعلن سقوط القنيطرة و وصول القوات الاسرائيلية الى مشارف دمشق و المندوب الاسرائيلي يؤكد ان لا شيء من ذلك حصل
قال لي الدكتور ماخوس فيما بعد : انها خطة ماهرة لارعاب العالم من اجل انقاذ دمشق
فسالته و الكفاح المسلح ؟ فالقى التهمة على عبد الناصر و انه هو من طلب ايقاف القتال ، فسألته : هل كان القتال ممكنا ؟ فاجاب بحديث طويل  استخلصت منه لا(9)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.      جريدة البعث – 21 \ 5 \ 1967
2.      نفس الكلام ذكره باترك سل عن حالة الجيش السوري عام 1967 في كتابه الاسد و الصراع على الشرق الاوسط
3.      محمد حسنين هيكل – الانفجار الكبير – ص 438
4.      سامي الجندي – كسرة خبز – ص 16
5.      مذكرات اكرم الحوراني
6.      نفس المصدر السابق
7.      لجأ احمد سويداني (سني حوراني) اواخر عام 1968 الى السفارة الجزائرية في لبنان طالبا اللجوء السياسي فرفض الجزائريون ذلك لعلاقات الصداقة التي تربط بومدين بقيادات البعث ، فاتجه نحو العراق فرفض العراق استقباله بتحريض من امين الحافظ فعاد الى سوريا فاعتقله حافظ الاسد ، و يذكر الحوراني في مذكراته ان سويداني كان حتى عام 1991 لا يزال في السجن و يذكر ايضا ان سويداني سلم السفارة الجزائرية وثائق تخص محاكمة كوهين باعتباره رئيسا للمخابرات و مشرفا على التحقيق وقتها
8.      أسرار يوسف الزعين - الكاتب المصري الهامي المليجي
9.       سامي الجندي - كسرة خبز – ص 14-18



تعليقات