الخوارج تاريخ وعقيدة:

يرتبط ظهور الخوارج في التاريخ الاسلامي بالفتنة الاولى التي قتل فيها خليفة المسلمين عثمان بن عفان عام 35 هـ، و ما اعقب  هذا من مبايعة البعض لعلي بن ابي طالب بالخلافة و امتناع الاخرين عن مبايعته حتى يقتص من قتلة عثمان و هم بغالبهم اهل الشام بقيادة معاوية بن ابي سفيان... بعد ان بايع اهل المدينة علي بن ابي طالب بالخلافة خرج بجيشه نحو العراق حيث سبقه الى هناك كل من طلحة و الزبير و عائشة يريدون القصاص من قتلة عثمان، فكانت بينهم معركة الجمل المشهورة و استشهد طلحة و الزبير و تفرقت تلك الجموع و اعاد علي عائشة للمدينة و بدأ بعدها الاستعداد لحرب معاوية الذي رفض البيعة له مع اهل الشام... التقى الفريقان علي و من معه و معاوية و من معه في موقعة صفين في الشام و دامت المعركة لأيام لم ينتصر احد فيها ثم قر قرار الطرفين المتقاتلين على ان يختار كل طرف من يمثله ليتحاكموا الى الشرع و يفصلوا في النزاع القائم. رفضت جماعة من جيش على بن ابي طالب التحكيم وايقاف الحرب مع اهل الشام، فلما لم يستجب علي لهم انشقوا عن جيشه وعددهم 12 الفا بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي وساروا نحو الكوفة الى منطقة اسمها حروراء تجمعوا فيها فسموا نسبة اليها باسم (الحرورية)، بعد عودة علي من صفين الى الكوفة أرسل علي للحرورية عبد الله بن عباس ليناظرهم ويرجعهم الى الجيش فأبوا ذلك وأعلنوا العصيان وساروا بجموعهم الى النهروان (شمال شرق بغداد الحالية) فكانت بينهم وبين علي معركة النهروان التي أفني فيها معظمهم.

سميت تلك الطائفة التي انشقت عن علي  باسم الخوارج، ولم تكن التسمية في البدء تعبر عن أي معنى ديني او عقائدي بل كانت تسمية سياسية بحتة قصد بها اولئك الذين خرجوا من جيش علي لرفضه متابعة القتال ضد معاوية ومن معه. ولو كان الخروج بحد نفسه عن علي يعبر عن معنى ديني او عقائدي لكان معاوية ومن معه من اهل الشام أولى بهذا فهم السابقون في الخروج على علي قبل خروج الحرورية.


 لقد شكل الخوارج بعد انشقاقهم عن علي طرفا ثالثا في النزاع الاسلامي – الاسلامي والذي سيستمر لقرون تالية:

1-     اتباع علي بن ابي طالب وغالبيتهم من اهل العراق وسموا ابتداء بشيعة علي ثم طغى مصطلح الشيعة عليهم ومن اولئك ستخرج كل الفرق الشيعية والباطنية لاحقا.

2-     اتباع معاوية وبني امية وغالبيتهم من اهل الشام وسموا شيعة معاوية ثم صار يشار إليهم عند خصومهم باسم النواصب  واهل الظاهر والحشوية ...

3-     الخوارج وهم طرف ثالث عادى وحارب الطرفين السابقين وسموا بأسماء متعددة عبر الزمن جاءت من انقساماتهم مثل الحرورية والازارقة والصفرية والنجدات... ومع الزمن اندثرت كل فرق الخوارج ولم يصمد منها الا واحدة بقيت الى اليوم هم الاباضية يتواجدون في عمان وجنوب الجزائر.

في بدء النزاع لم تكن الفرق الثلاثة: شيعة علي وشيعة معاوية والخوارج يختلفون اعتقاديا عن بعضهم في شيء بل كانت انقساماتهم سياسية بحتة. ثم مع الزمن حصل التباين والتمايز عقائديا بين: الشيعة. واهل السنة. والخوارج. و تعددت المعاني الاصطلاحية لمصطلح (الخوارج) وهي لا تخرج عن ثلاثة معاني:

معنى تاريخي:
وقصد به تلك الجماعة من الناس التي انشقت عن علي بن ابي طالب بعد معركة صفين ولم تختلف عن عموم المسلمين في اعتقادها في شيء

معنى سياسي:
وهي تهمة كان يستعملها السلطان ليسمي بها كل من خرج عليه ونازعه الملك. فقد قال عبد الملك بن مروان عن ابن الزبير انه خارجي. وقال المنصور العباسي عن محمد النفس الزكية انه خارجي....  وهذه الكلمة في هذا الموقع لا تعني أي اختلاف ديني او عقائدي فقد يكون الخارج والخارج عليه على نفس الدين والمعتقد كما هو حال معاوية بن ابي سفيان وعلي بن ابي طالب. والحسين بن علي ويزيد بن معاوية. ويزيد بن المهلب ويزيد بن عبد الملك.... وكثير ما كان الخارج على السلطان خير وأفضل ممن خرج عليه، فالحسين خير من يزيد، ومحمد بن عبد الله (النفس الزكية) خير من ابي جعفر المنصور، وابن الزبير خير من عبد الملك...

معنى ديني عقائدي:
 ويقصد به كل من حمل فكر ومعتقد الفرق الخارجية. هذا الفكر والمعتقد الذي ظهر اول مرة بعد موت يزيد بن معاوية وبدء الفتنة الثانية التي انتهت بقتل ابن الزبير وقيام الفرع الاموي المرواني بحكم الدولة الاسلامية.

قبيل موت يزيد بن معاوية خرج عليه عبد الله بن الزبير في مكة وتحصن في الحرم فأرسل له يزيد جيشا الى مكة، لكن يزيد مات وجيشه محاصر لابن الزبير فانضم معظم الجيش لابن الزبير فأعلن نفسه خليفة على المسلمين عام 64 هـ. واثناء ما كان النزاع قائما بين يزيد وابن الزبير اجتمع بقايا الخوارج ممن نجا من معركة النهروان يرأسهم نافع بن الازرق الذي كان ناظر ابن عباس قبل معركة النهروان. فقر قرارهم على الالتحاق بابن الزبير فان وجدوه على رأيهم انضموا اليه وان وجدوه غير ذلك قاتلوا دفاعا عن الحرم. لم يحصل ود واتفاق بين ابن الزبير ومجموعة الخوارج لذا بعد موت يزيد وتفرق جيشه ترك الخوارج ابن الزبير وانقسموا فيما بينهم: قسم تبع نافع بن الازرق وهم اهل البصرة وسموا (الازارقة) نسبة لنافع بن الازرق، ومنهم ستخرج فرقة الاباضية نسبة لاحد اتباع نافع واسمه (عبد الله بن اباض). وقسم تبع نجدة بن عامر وهم اهل اليمامة في نجد وسموا (النجدات)

ارتبط التاريخ الاسود المعروف للخوارج بالغلو والتكفير واستباحة الدماء بفرقة الازارقة. اما باقي فرق الخوارج الاخرى فقد كانت دون الازارقة في غلوها ومعتقداتها. لذا فان أي غلو يذكر عن الخوارج اليوم فالمقصود به الازارقة حتى وان كان المتكلم لم يسمع باسم الازارقة او لا يعي حقيقة الفروق بين فرق الخوارج.

بعد ان سار نافع بن الازرق بأصحابه العراقيين من مكة الى البصرة جمع هناك جموعا كبيرة وصلت الى 30 ألف مقاتل. وهو أكثر ما استطاعت فرقة من فرق الخوارج جمعه عبر تاريخهم واستطاع ابن الازرق مع من معه هزيمة عدة جيوش لابن الزبير قبل ان يموت نافع بن الازرق عام 65 هـ ويتولى قيادتهم قطري بن الفجاءة الذي سموه اميرا للمؤمنين. ثم ان ابن الزبير اسند للمهلب بن ابي صفرة قتالهم، فنازلهم المهلب نحو 19 سنة حتى اجتثهم في ايام الحجاج بن يوسف

تمثلت مقولة الازارقة في عدة نقاط كما ذكر اصحاب الملل والنحل عنهم، مع الاخذ بالاعتبار ان ما ذكر عن الخوارج عموما جاء في كتب خصومهم، اما ادبيات الخوارج واصولهم من كتاباتهم هم فلا وجود لها غالبا بسبب اندثارها من جهة وبسبب ان ما نقل عنهم نقل من خصومهم الذين عاشوا زمن السلطة التي قاتلها الخوارج لذلك جرى على الخوارج ما جرى على بني امية من تشويه متعمد في كتب التاريخ التي كتبت ايام العباسيين. ومع ذا فان اصولهم التي ذكرها الشهرستاني وغيره عنهم نختصرها بالتالي:

1-تكفير علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان وطلحة والزبير وعائشة وابن عباس ومن قاتل معهم وشايعهم في يوم الجمل وصفين. وتصويب فعل عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي.

2-تكفير من لم يهاجر إليهم ويقاتل معهم حتى وان كان على رأيهم.

3-تكفير اطفال ونساء مخالفيهم واستباحة قتلهم والحكم بان اطفال المشركين في النار مع ابائهم

4-اسقاط حد الرجم على الزاني. وحد قذف المحصنين من الرجال

5-تحريم التقية في القول والعمل

6-تكفير مرتكب الكبيرة والحكم بخلوده في النار


هذه الاصول هي اهم ما خالف بها الازارقة عقيدة اهل السنة، وهي اصول وضعها نافع بن الازرق ساهمت على رأيي البعض في تمزيق الخوارج الى فرق عدة فيما بعد. وقد تخلى النجدات والاباضية عن تكفير الاطفال والنساء وتكفير القاعدين عن نصرتهم واباحوا التقية، ولكل فرقة جاءت بعد الازارقة مقالات تختلف فيما بينها اختلافا كبيرا وكلها في اعتقادها وغلوها دون الازارقة ويمكن الرجوع اليها في كتب الفرق والملل عند الشهرستاني والبغدادي وابن حزم....

لقد اسرف الكثيرون اليوم في استخدام مصطلح الخوارج لتسمية هذا الفصيل المقاتل او ذاك. بعضهم يستخدمه كالببغاء مرددا ما سمع دون أدني فهم او معرفة بحقيقة الخوارج التاريخية والدينية، وبعضهم يستخدمه مدلسا عن علم ووعي... عندما يقول أحدهم عن الطرف الاخر انهم خوارج فاسأله ما المقصود بكلامه:

فان كان يقصد كلمة الخوارج بمعناها التاريخي فهذا لا يصح لان هذا المصطلح أطلق على جماعة بعينها انشقت عن علي بن ابي طالب والتسمية موقوفة عليها.

اما ان كان يقصد بالخوارج المعنى السياسي وهو الخروج على الحاكم فهذا امر جائز شرعا إذا توفرت ظروفه وهو ليس شتيمة ولا هو بمأخذ على الخارج. فقد خرج الحسين بن علي على يزيد. وخرج ابن الزبير على يزيد. وخرج عبد الرحمن بن الاشعث ومعه كبار فقهاء العراق على الحجاج وعبد الملك.... فمن هو الحاكم الذي خرج عليه من يسمونهم اليوم بالخوارج؟  وان كان يقصد بالخوارج انهم خرجوا عن الجماعة فاين هي تلك الجماعة التي خرجوا عنها؟؟؟

اما ان كان يقصد بالخوارج الاعمال والافعال التي ارتكبها الازارقة بحق المسلمين عن عقيدة عندهم فوجب عندها ان يأت بالدليل على دعواه. وقد سردنا الاصول الستة التي قام عليها مذهب الازارقة وهي الاصول التي تجعل من معتنقها خارجيا ان وجدت عند جماعة او شخص ما. فهل من يسمونهم اليوم بالخوارج عندهم هذه الاصول في معتقدهم وعملهم؟
ان جماعة الدولة الاسلامية يتولون الصحابة كلهم ويعتبرون سبهم او الانتقاص منهم كفر. كما انهم لا يبنون اي حكم بتكفير من لم يهاجر اليهم بل يعتقدون باسلامه ولا يشترطون الهجرة اليهم كأصل في اسلام المسلم. وهم يقيمون الحدود كلها ولا سيما حد الزنا كما ثبت في السنة. ويقولون انه لا تزر وازرة وزر اخرى فمن قاتلهم قاتلوه دون ان يستبيحوا النساء والاطفال. بل ان كثير ممن قاتلهم في العراق عندما اسروهم فانهم عادوا واطلقوهم ولو كانوا يعتقدونهم كفارا ما جاز لهم ان يطلقوهم. وهم لا يحكمون بتكفير مرتكب الكبيرة حتى يستبيحها ويعتقد انها مباحة... فاين هي اصول الخوارج التي عند هؤلاء الجماعة؟
ان الاصول العقدية والفقهية التي يقوم عليها منهج الدولة هي الفكر السلفي الذي يقوم على الكتاب والسنة والذي نجد تفاصيله في مؤلفات شيخ الاسلام ابن تيمية من الاقدمين ومؤلفات محمد بن عبد الوهاب من المحدثين فمن اراد ان يقيم الحجة عليهم وعلى فكرهم وعقيدتهم وجب عليه ابتداء ان يقولها صريحة ان ابن تيمية وابن عبد الوهاب خوارج. 

تعليقات