الاخوان المسلمون
في مذكرات ايمن شربجي
قائد الطليعة المقاتلة في دمشق
المؤلف
هو ايمن احمد شربجي (1955- 1988) دمشقي من حي الميدان، القائد العام للطليعة
المقاتلة بين عامي 1982-1988م انتسب
للطليعة المقاتلة على يدي مروان حديد في دمشق عام 1974وتلقى تدريباته العسكرية في
الجبال الساحلية في معسكرات الطليعة مع نخبة من الجماعات الأولى التي ضمها مروان
حديد بقيادة عبد الستار الزعيم وموفق عياش... اتصف ايمن شربجي بصفات عديدة اهلته
لقيادة الطليعة في دمشق فاثبت كفاءة منقطعة النظير اكسبته عند النظام لقب اليد
التي لا تخطئ ووضع حافظ الأسد مكافأة 100 الف ليرة لمن يساعد في القبض عليه، وقال
مرة لعلماء دمشق لو سلمتموني أبا عمر (ايمن شربجي) لاطلقت لكم مئات المساجين...
كانت معظم العمليات العسكرية النوعية التي قامت بها الطليعة في الثمانينات: محاولة
اغتيال حافظ الأسد، الهجوم على وزارة الاعلام، الهجوم على مبنى رئاسة الوزراء،
تفجير الازبكية، اغتيال الشخصيات البارزة في النظام... كانت من تخطيط وتنفيذ
الطليعة المقاتلة بمشاركة او بقيادة ايمن شربجي. والطليعة المقاتلة في دمشق التي
أنجزت هذه العمليات واكثر وارقت النظام وجعلته في حالة استنفار لم يتجاوز عدد افرادها في احسن الأحوال العشرات.
كتب
ايمن شربجي هذا الكتاب بعد سنة 1982م وغالبا ابتدأ به عام 1986 ولم يتح له اكماله
لانه استشهد عام 1988 ولم يكمل ما أراده من تدوين احداث حماة. وقد جاءت الإشارة
الى كتابه هذا وسبب كتابته في رسالة له لقادة الاخوان في الخارج عام 1986 حيث
قال: "ان ما يجري عندكم من
مهاترات ونزاعات على المناصب قد اساء الى دماء الشهداء والمجاهدين وشوه تاريخهم،
ولذلك وجدت من واجبي كتابة تاريخ المجاهدين في دمشق منذ عام 1974 وحتى عام
1982م... حتى يطلع المسلمون على الحقائق ويستفيدوا من التجربة الجهادية في سوريا
التي كادت ان تضيع وتشوه ونحن ما زلنا على قيد الحياة"[1]
وقد عنون الكتاب "تاريخ العمل المسلح في مدينة دمشق" ولم يظهر هذا العمل
الى النور الا مع بدايات الثورة السورية بعد عام 2011 حيث صدر ابتداء في نسخة
رقمية بعنوان "مذكرات الطليعة المقاتلة" ثم أعيد نشره عام 2017م في لندن
بنسخة ورقية اعتني باخراجها من جهة العناوين والفهارس والشروح بعنوان "على
ثرى دمشق" وكان الهدف من نشرها تقديم
مادة ذات فائدة يستفيد منها العاملون في الثورة السورية المعاصرة لكن كما يقول
الناشر: "ان بعض من وصلتهم التجربة عمل بشكل مغاير لما تقتضيه المصلحة خلال
الثورة السورية الحالية"
كان
ايمن الشربجي عضوا في الطليعة منذ تاسيسها كاحد كوادرها في تنظيم دمشق ثم اصبح
قائدا لتنظيم دمشق والقائد العام للطليعة منذ عام 1982م حتى استشهاده عام 1988م لذا
كان في موقع صنع القرار والاطلاع المباشر على كل الأمور العسكرية وبعض الأمور السياسية
التي تخص الطليعة وقيادات الاخوان المسلمين حتى عام 1988مما يجعل من كتابه الى
جانب ما تركه قائد الطليعة في حلب عدنان عقلة من تسجيلات صوتية مصدرا أساسيا في دراسة هذه المرحلة ومن أراد ان يفهم طبيعة
العلاقة بكل وضوع بين الطليعة والاخوان فلا غنى له عن مطالعة شهادة شربجي وعدنان
عقلة فهما تكملان بعضهما.
ومما
يجب ذكره أيضا: ان ايمن شربجي هو قائد الطليعة في دمشق ثم القائد العام للطليعة
بعد عام 1982 بعد ان زالت وتفككت الطليعة في كل المدن السورية وبقيت صامدة في دمشق
حتى التسعينيات وهو ما يبدد الصورة النمطية عن ان سكان دمشق كانوا خارج النزاع بين
الطليعة وحافظ الأسد كما كان الاخوان يروجون في الخارج عندما كانوا يصورون العمل
العسكري في حماة وحلب وويتجاهلون دمشق وهو ما اعتبره ايمن شربجي انه ناتج عن عصبية
مناطقية رعاها الاخوان وروجوا لها[2]
ويثبت ان دمشق كانت في طليعة من قاتل النظام منذ البدايات الأولى لتشكيل الطليعة
على يد مروان حديد في دمشق وبقيت صامدة حتى النهاية حتى عام 1997 عندما اطلق سراح
الفوج الأخير من الطليعة من سجون النظام وخاطبهم هشام بختيار بعد سيل من الشتائم: "الان
ارتحنا وارتاحوا"
مروان حديد وتاسيس الطليعة المقاتلة:
خلال
فترة الوحدة بين سوريا ومصر بين عامي 1958-1961 نشأ تنظيم سري عسكري طائفي من ضباط
بعثيين من اتباع الأقليات الدينية
(العلويين، الاسماعيليين، الدروز) بشكل خاص دعي باسم اللجنة العسكرية، نجح بعد فك
الوحدة مع مصر في احداث انقلاب عسكري عام 1963 بقيادة واجهة من السنة اسمه زياد
الحريري انتهى امره بعد انجاز مهمة اللجنة العسكرية التي تقاسم افرادها بعد
الانقلاب المناصب العسكرية والسياسية الهامة في سوريا بقيادة شكلية سنية مثلها
امين الحافظ الحلبي... وخلال فترة سنة من سيطرة البعث الطائفي على شؤون الحياة
العامة في سوريا ظهرت التوجهات الطائفية لصانعي الانقلاب في مجالات الحياة العامة
مما انذر بحالة من الغليان الشعبي في كل سوريا ظهر بشكل جلي في مدينة حماة على شكل
صدامات شعبية بين اهل حماة وذيول البعث تطورت سريعا وتحولت الى اغلاق واضراب عام
في حماة دفع محافظ حماة عبد الحليم خدام
لطلب تدخل الجيش لفض اضراب حماة فحدث عام 1964 ما عرف باحداث مسجد السلطان حيث
قامت قوة عسكرية بقيادة الدرزي حمد عبيد والعلوي عزت جديد بتطويق المسجد الذي
اعتصم فيه جماعة من شبان حماة بقيادة شاب سيترك بصماته وذكراه في تاريخ العمل
العسكري ضد نظام البعث حتى اليوم وهو مروان حديد. لم يكن هناك تكافؤ بين المهاجمين
والمعتصمين في المسجد فاقتحم حمد عبيد المسجد بالدبابات واعتقل بضعة شبان ممن بقي
حيا وكان منهم مروان حديد الذي اقتيد الى محاكمة عسكرية صورية ترأسها مصطفى طلاس
الذي أوقع حكم الإعدام بحق مروان حديد. ولم ينفذ الحكم بموجب عفو من رئيس
الجمهورية امين الحافظ أصدره مرغما بفعل
الضغط الشعبي وتدخل من شيخ حماة وقتها محمد الحامد.
اثبتت
احداث مسجد السلطان لمروان حديد ان النظام القائم لا يفهم الا لغة الحديد والنار
فاستغل الفترة بعد حرب 1967 في التدريب والاعداد والتحريض حتى كان العام 1970 وهو
العام الذي انقلب فيه حافظ الأسد على رفاقه في حركته التصحيحية واستلم الحكم بعد
تعديل في الدستور وإلغاء المادة التي تنص ان الإسلام هو دين الدولة والاكتفاء بان
يكون دين رئيس الدولة فقط هو الإسلام في مسرحية صورية عمد فيها كفتارو حافظ الأسد
مسلما خلاف ما تعتقده الغالبية من السوريين من ان حافظ الأسد نصيري غير مسلم
وترافق هذا بمزيد من مصادرة الحريات والقمع والتنكيل والملاحقة لكل معارض وزاد
حافظ الأسد من تجنيد الفرق العسكرية على أساس طائفي علوي من خلال ما عرف باسم
سرايا الدفاع... وعلى هذه الخلفية من
الأوضاع حاولت قوة بقيادة رفعت الأسد عام 1970اعتقال مروان حديد في حماة لكنه نجح في
الإفلات منهم واستقر به المطاف بعد حين في دمشق متخفيا. وخلال الأربع سنوات
التالية ومن خلال جهد مكثف تحت الملاحقة والتنقل المستمر نجح مروان حديد في وضع
الأسس النظرية والمادية لحركة المقاومة للنظام البعثي العلوي والذي عرف ابتداء
باسم "الطليعة المقاتلة لجند الله"
موقف
الاخوان من الطليعة
عندما
لجأ مروان حديد لتاسيس الطليعة المقاتلة كان قد بذل جهودا كثيرة لاقناع قادة
الاخوان في سوريا للجوء الى العمل العسكري وكانت خطته هي ان تقوم قيادات الاخوان
بتعبئة كوادرها في تنظيمات عسكرية سرية تستقطب الشعب ثم وبالتعاون مع القيادات
العسكرية السنية في الجيش يتم احداث انقلاب عسكري مدعوم بثورة شعبية تطيح بنظام
الأسد لكن أولئك عارضوا بحجة ان الوقت لم يأن بعد للعمل العسكري، وانه متى حان
الوقت فلن يتوانوا عن حمل السلاح[3]،
ويذكر ايمن شربجي ان الاخوان لم يهيئوا اصلا أي نوع من التنظيم لمواجهة النظام وكل
تحركاتهم كانت ذات طابع سلبي كلامي بلا فعل وافعالهم مجرد ردود أفعال كلامية،
ويقول: "وانتهت عند هذا الحد ولم
تقدم جهودا مؤثرة تحد او تقلل من إرهاب السلطة الطائفية"[4]
عدا عن انهم كانوا في صراع بيني بين جناحين: واحد بقيادة عدنان سعد الدين وسعيد
حوى (تنظيم حلب) والثاني بقيادة عصام العطار
(تنظيم دمشق) وهو ما راه مروان حديد ناتج عن بعد قيادات الاخوان عن الجهاد
في سبيل الله. لذا عندما يأس مروان حديد من اقناع قادة الاخوان الذين كانوا
مازالوا موجودين داخل سوريا بضرورة العمل المسلح وامام احجامهم شرع عندما وصل الى
دمشق 1970م بوضع الأسس التظيمية والفكرية للعمل المسلح الهادف الى اسقاط النظام
وقامت فكرته عل اربعة أسس عملية هي جذب الأنصار وتثقيفهم، ثم تنظيمهم، ثم تدريبهم،
وصولا الى مرحلة الصدام المباشر مع النظام. ولن يحدث هذا الصدام حتى يحدث اليأس من
ضم اتباع جدد. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة تقرر الطليعة طريقة العمل العسكري ضد
النظام: هل هي عمل عسكري خاطف، او حرب عصابات طويلة الأمد. ولم يتح لمروان حديد ان
يرى نتيجة عمله اذ القي القبض عليه عام 1974 نتيجة وشاية من احد المترددين عليه (محمد
جيرو من اللاذقية) وبعد معركة استمرت قرابة 10 ساعات في حي العدوي بدمشق اعتقل مروان حديد وتمت تصفيته لاحقا عام 1975
في احدى المستشفيات. لكن ما زرعه مروان لم يمت بموته فقد تابع رفاقه ما بدأه
فتتابع على قيادة التنظيم العام بعد مروان حديد بين عامي 1974-1990م: عبد الستار
الزعيم، ثم هشام جنباز ثم تميم الشققي ثم عمر جواد ثم مسعف بارودي ثم ايمن شربجي
ثم عاطف قهوجي. وهؤلاء مع الكوادر
المنتشرة في مدن حماة وحلب وحمص ودمشق هم من صنع حركة المقاومة المسلحة ضد نظام
حافظ الأسد منذ أواسط السبعينيات وطوال الثمانينيات ورغم كثافة العمليات العسكرية
ونوعيتها فلم تتجاوز اعدادهم أحيانا العشرات في كل مدينة
خلال
مراحل عمل الطليعة المقاتلة منذ تاسيسها وحتى نهاية اعمالها كانت تنظيما مستقلا
بذاته ولم تكن في يوم من الأيام على علاقة تنظيمية بالاخوان المسلمين بل اكد
قادتها في اكثر من مناسبة على ان لا علاقة للطليعة بالاخوان وان حدث أي تواصل بين
قادة الطليعة والاخوان في الخارج فهو من باب التعاون لا من باب الموالاة والتبعية
وهي نقطة ستكون محور تنازع بين الطليعة والاخوان كادت ان تودي بالطليعة في دمشق
خاصة سنة 1980م وربما هذه النقطة ستكون هي من فكك الطليعة في كل سوريا عدا دمشق
عندما يأس الاخوان من ضم الطليعة الى قيادتهم في الخارج فقرروا القضاء عليها كما
سيظهر فيما سياتي
كان
موقف الاخوان من مروان حديد كما وصفه الشربجي: "اتهمتوه بالتهور والتسرع
والتسبب في ضرب الجماعة الإسلامية، وعندما انطلقنا بعد استشهاده كانت مواقفكم
سلبية...اما الان وقفتم موقف المتفرج ولم تقدموا واحد بالمائة بل اصبحنا نحن
القاعدين عن الجهاد وانتم المجاهدون..."[5]
ورغم
موقفهم المعادي للعمل العسكري عموما فانهم استثمروا فيه إعلاميا وماديا لصالحهم،
فشرعوا ابتداء من عام 1979 وهو عام انطلاق الاعمال العسكرية الاولى للطليعة في حلب
ودمشق قبل ان تعلن الطليعة عن نفسها إعلاميا، شرعت قيادات الاخوان في الخارج بتبني
الاعمال العسكرية في الداخل ونسبتها لنفسها بل راح الاخوان يروجون انهم هم قادة
العمل المسلح في الداخل وقد ذكر عدنان عقلة هذه الحيثيات صراحة مدعومة بالاسماء
والوقائع بينما اكتفى ايمن شربجي بتلميح بسيط: وانتشرت انباء في السجون ان جماعة
الاخوان المسلمين المختلفة قد اتحدت وهي من تقوم بالعمليات العسكرية[6]...
وصارت اذاعتهم تنشر انباء العمليات العسكرية بنكهة اخوانية ذات تحزب مناطقي وغالبا
ما كان يتم تجاهل اخبار دمشق مع ان اهم العمليات العسكرية حدثت في دمشق وغالبا
مرجع ذلك الى علاقات العداء بين تنظيم حلب (البيانوني-سعد الدين-حوى) وتنظيم دمشق
(العطار) ففرقوا في الشهداء بين اتباع تنظيمهم وبين اتباع مروان حديد وحصروا العمل
العسكري بحلب وحماة وتجاهلوا دمشق، وقد ارسل لهم ايمن شربجي: "ان العصبية
البغيضة تظهر في كل تصرفاتكم، ومن يسمع اذاعتكم تتكون لديه فكرة ان الثورة والعمل
المسلح لم تكن الا في حماة وحلب وكان دمشق لم يحدث فيها شيء... مع العلم ان عمليات
دمشق هي التي أعطت للعمل هيبته في الداخل والخارج"[7]
ولم يكتفوا بهذا فقط استثمر قادة الاخوان
وكوادرها في الخارج الوهج الإعلامي الذي حققه العمل العسكري داخل سوريا وخارجها فراحوا
يجمعون التبرعات والمساعدات باسم العمل العسكري في الداخل، وفي واقع الامر لم يصل
الطليعة شيئا من هذه الأموال، والى هذا أشار شربجي في احدى رسائله لهم: "انكم
تقومون بجمع الأموال للمجاهدين فهل أصبحت هذه الأموال ملكا لكم؟ ولو انكم اعلنتم
ان لا علاقة لكم بالمجاهدين فهل سيصلكم من الناس دينار واحد؟! ان كل ما حققتموه من
امجاد ومكاسب على دماء شهدائنا... ولتدعيم مراكزكم في الخارج، ولعمري ماذا افاد
المجاهدون ذلك"[8]
محاولات
الاخوان الاستيلاء على الطليعة او تحييدها:
x
في
عام 1980 اشاع الاخون من اتباع عصام العطار ان لهم تنظيما عسكريا وعلى وشك التحرك
ودخلوا في عملية تنسيق مع الطليعة في دمشق تبين كما يفول الشربجي انه كلام لا أساس
له من الصحة فعندما ترقب الناس قيام عمليات في يوم 8 اذار كما كان يشاع توقفت
الطليعة ولم تنفذ شيئا فبان وقتها ان لا احد يملك تنظيما عسكريا[9]
الاخوان
المسلمون وحافظ الأسد:
في
نهاية السبعينات ومع تصاعد وتيرة العمل المسلح للطليعة دخل الاخوان في مفاوضات مع
نظام الأسد عرفت باسم مفاوضات يكن-الأسد نسبة لامين يكن مراقب عام الجماعة حتى عام
1975، في الوقت الذي كانت قياداتهم في الخارج تسعى للسيطرة على الطليعة وتحويلها
الى تابع لها، ومعلوم ظاهريا ان هذه المفاوضات فشلت كما فشلت محاولة السيطرة على
الطليعة. ونلاحظ فرقا في طريق سرد العلاقات بين الأسد والاخوان بين عدنان عقلة
وايمن شربجي. فعدنان عقلة يتهمهم صراحة بالعمالة
بالاسماء والوقائع، فينقل عن عدنان سعد الدين قوله: "ان اتصالاتنا لم تنقطع
يوما مع النظام" ويقول عقلة نقلا عن حسن هويدي: ان عبد الله الطنطاوي هو من
سرب للمخابرات السورية وقائع احتماع لجنة الوفاق وكتب في رسالة للاسد: هناك تيار
متعصب طائفي (الطليعة) نحاول تطويقه وصولا للمصالحة الوطنية بضمانة السيد الرئيس
حافظ الأسد.
اما
ايمن شربجي فيستعمل صيغ المواربة وعدم الاتهام المباشر فيؤكد على وجود المفاوضات
بين الاخوان والأسد وكان من نتائجها عام 1980
قيام النقابات بامر من قيادات الاخوان المسلمين او من ذاتها كما يقول شربجي بفتح
حوار مع السلطة التي أبدت تجاوبها الظاهر وانها تريد الديمقراطية واطلاق الحريات
وقام بالفعل باطلاق بعض السجناء حتى اذا انكشف له موقف النقابات والقائمون عليها
اعتقلهم واودعهم السجون[10]
ويقول
شربجي: "لقد فاوضتم السلطات السورية مدة سنتين ونصف دون ان نعلم شيء عن هذه
المفاوضات، ثم سمعنا فشل المفاوضات وعودة وفد النظام مهزوما امام جحافل المفاوضين،
فهل كانت المفاوضات حول إعادة الحياة الى عشرات الالاف من شهداء حماة، ام كانت حول
اسقاط الاجنة من بطون الاف المسلمات اللواتي اغتصبهن علوج الكفر النصيري؟"[11]
" ذكرتم في بيانكم انكم اعددتم العدة لجولة نهائية مع النظام، وهل هذه الجولة
هي وضع عبوة ناسفة مقابل 10 الاف ليرة؟ فمتى تراجعون أنفسكم وتحاسبونها بصدق مع
الله وتتركون الهذرمة الإعلامية التي لا تقتل ذبابة"[12]
وفي الواقع فان الاخوان دخلوا مفاوضات مع الأسد اكثر من مرة: عام 1980. وعام 1982
بعد مذبحة حماة، وعام 1984 بعد صراع الاخوين حافظ-رفعت...
ومن بين كل قضايا التنسيق بين الأسد والاخوان التي اتهموا فيها
فان قضية كشف قواعد الطليعة في حماة عام 1982 قبيل مذبحة حماة وكشف تنظيم الضباط
الاحرار التي راح فيها 400 ضابط سني أشار فيها عدنان عقلة وعمر جواد قائد طليعة
حماة الى تسريب حدث من الخارج للمخابرات السورية وكان هناك سؤالا طرحه عدنان عقلة
على عمر جواد: "أتقدرون ان يكون السبب وراء هذه الامور تخريب خارجي؟ كان جواب
عمر: نحن لا نجزم ولكن كل ما بايدينا يؤكد هذا".وقد حدث الايقاع
بالضباط بعد لقاء جمع احد هؤلاء الضباط بقيادات الاخوان حسن هويدي وعدنان سعد
الدين وفي هذا اللقاء اخبر مندوب الضباط ان تنظيم الضباط سيقوم بانقلاب عسكري فان
لم يكن لديكم إمكانات فسنتحرك بالتنسيق مع الطليعة. وكانت ساعة الصفر يوم 28 /1
/1982. لكن ما حدث انه تم الايقاع بالجميع يوم 8 / 1 . من خلال رسالة ارسلها علي صدر الدين البيانوني
الى درعا ضمنها اسم احد الضباط في التنظيم وتم الايقاع بالساعي وانفضح امر الضباط ثم
امر التنظيم بحسب رواية عدنان عقلة اما ايمن شربجي فيرى ان الايقاع بتنظيم الضباط
في الجيش جاء بسبب اعترافات نبيل حبش وهو من طليعة دمشق هرب من دمشق دون اعلام
القيادة والتجأ الى الاخوان في الخارج الذين احتفوا به ورفعوه الى اعلا المراتب
واستخدموه كمراسل لهم حيث القي القبض عليه في قبرص وسلم الى سوريا فاعترف على
تنظيم الضباط الذي اعدم منه 400 ضابط سني
اما عدنان عقلة فيقول: ان ما حدث كان مخططا له لذبح كل شيء على الساحة
ولنا تعقيب
هنا: هل تم التغرير بالاخوان واقناعهم بانه اذا ما تم التخلص من الطليعة سيحظون
بمكاسب ما فساعدوا وساهموا في تفكيك الطليعة وتنظيم الضباط الاحرار؟ وهي نفس
الحالة عندما تم اقناع الفصائل في الثورة السورية بانه اذا ما تم القضاء على داعش
فسيرحل الأسد فوجهوا بنادقهم لقتال داعش فسقطوا جميعا وبقي الأسد حتى الان
وفي
عام 1980نفذت جماعة الاخوان المسلمين أولى عملياتهم ضد نظام الأسد وكانت العملية
عبارة عن توزيع منشورات تهاجم نظام الأسد بعد ان اصدر القانون 49 القاضي بإعدام من
ينتسب لجماعة الاخوان[13]
بعد
مجزرة حماة عام 1982 تحول الاخوان الى نهج المصالحة مع النظام
لقد
كان جليا من مفاوضات الاخوان بعد عام 1984 مع نظام الأسد ان الأخير أراد منها تخفيف الازمة الداخلية التي يعيشها
على اثر المحاولة الانقلابية لرفعت فارد تخفيف الضغط عليه ففتح قنوات المفاوضات مع
الاخوان في الخارج فكان الاخوان بعد سنتين من هذه المفاوضات بحاجة لاظهار قوة لهم
في الداخل ولو بشكل مصطنع فطلبوا من ايمن شربجي تفجير عبوة ناسفة في حاوية قمامة
في ساحة المرجة مقابل 10 الاف ليرة وهو ما اثار حنق شربجي عليهم وقال: نحن مجاهدون
ولسنا مرتزقة
موقف
الطليعة من الاخوان
وفي
أواخر عام 1978 ومع تصاعد المواجهة بين الطليعة بقيادة عبد الستار الزعيم والنظام
اعتقلت السلطات بعض قياديي الاخوان وملاحقة اخرين فكان ردهم السفر خارج سوريا
وتحريض اتباعهم للخروج خارج سوريا فسافر من يستطيع السفر اما من كان ملاحقا فانضم
الى الطليعة فشكل بانضمامه عبئ على الطليعة لانها كانت عناصر ملاحقة ويجب حمايتها[14]
وزاد عبؤها خلال عام 1980 اذ ساعدت في تضخيم الطليعة لاسيما في حلب حيث زادت
الاعداد دون وجود قدرة على تدريبها وتمويلها والانفاق عليها فتحولت الطليعة في حلب
وحماة من تنظيم سري ينتهج حرب العصابات طويلة الامد كما خطط له مروان حديد وعبد
الستار الزعيم الى تنظيم على وشك الصدام السافر مع السلطة ويحمل الشربجي المسؤولية
عن ذلك لقيادات الاخوان بفرعيها العطار وسعد الدين التي هربت من سوريا وتركت كوادرها
خلفها دون تنظيم او تدريب[15]
"ونحن
منذ تأسيس تنظيمنا لم نعط البيعة لـ "الاخوان المسلمين" لاسباب لا مجال
لذكرها"[16]
قال
هشام جنباز للشربجي: "لا مانع لدينا من إقامة علاقة مساعدة بينكم وبين الاخوة
خارج سوريا ولكن من الناحية التنظيمية لا علاقة لنا بهم نهائيا، فعلاقتنا معهم هي
علاقة تعاون وتقديم مساعدات فقط"[17]
كان
رد الاخوان: "نحن نسير على المبدأ التالي: ان العمليات توجد التفاعلات، نفذوا
ولو باهداف بسيطة: عامل موظف صغير، عمليات تفجير"[18]
في
وقت ما هرب خارج سوريا احد عناصر الطليعة واسمه نبيل حبش والتجأ الى الاخوان في
الخارج فاحسن الاخوان اليه بدل محاكمته ورفعوه الى اعلا المناصب القيادية التي
كانت كما قال الشربجي اكبر من عقله وامكانياته
1986 وكان المحرض المباشر على كتابته ما قامت به
قيادات الاخوان في الخارج من محاولات ابتزاز ومساومه للطليعة ومحاولة تحويلها
لاداة تعمل لمصالحها الذاتية وفي بعض الأوقات تشويه لسمعة قيادتها واعمالها
القتالية واحيانا الاستفادة من عملياتها ونسبتها لنفسها بجسب مصالحها الذاتية ووصلت ذروتها عام 1986 عندما ساومت قيادات
الاخوان شربجي على تفجير قنبلة في ساحة
المرجة مقابل 10 الاف ليرة لا لهدف حقيقي سوى اظهار انفسهم ان لهم قوة في دمشق
خلال مفاوضاتهم مع حافظ الأسد وهو ما اعتبره شربجي إهانة له وللطليعة المقاتلة
وانهم مجاهدون وليسوا مرتزقة فقال لهم من جملة ما قال
وهناك
ثلاثةمن قادة الاخوان في الخارج اثنى عليهم شربجي هم: عدنان سعد الدين الذي قال
انه كان يتعاون معنا بكل دقة وامان وإخلاص. وسعيد حوى الذي قال انه يق به, وحسن
هويدي الذي لا نشك في اخلاصه وتفانيه.. ويعقي شربجي ان هؤلاء تم ابعادهم وتجميدهم
وعزلهم، ويتساءل: "هل هناك قرار بضرب المجاهدين في الداخل وابعاد كل من
يتعاون معهم في الخارج؟"[19]
الاخوان
المسلمون وايران الخميني:
يتطرق
شربجي الى موقف الاخوان المحابي للخميني
وكان شربجي قد استفتى الاخوان في موقفهم من ايران وثورة الخميني والعلاقة
بين حافظ الأسد والخميني الذي بارك مجزرة حماة... فقال له الاخوان وقتها: "ان
مواقف الإيرانيين من نظام اسد مؤقته نظرا لضرورة ظروفهم الدولية الصعبة" ويجيبهم
شربجي: عندما دققنا في عقيدة الشيعة الاثني عشرية وجدنا انهم مجوس كفرة حاقدون على
الإسلام اكثر من اليهود ويتقربون الى الله بقتل المسلمين" فهل خلافاتكم
البينية لم تسمح لكم بدراسة عقيدة الخميني؟
[1] ص36
[2] ص37
[3] ص55
[4] ص52
[5] ص29
[6] 215
[7] ص37
[8] 34
[9] ص167
[10] ص168
[11] ص37
[12] ص38
[13] ص200
[14] ص106
[15] ص161 وما بعدها
[16] ص216
[17] ص208
[18] 210
[19] 39