لا خليفة بعد المتوكل بن المعتصم:
قبل سنوات وقبل ان يظهر اردوغان وحزبه على الصعيد التركي وقبل ان يظهر ما يبدو انه توجه تركي اسلامي في الساحة لم يكن احد يطق على سلاطين بني عثمان اسم خليفة ولم يكن موضوع ان سلاطين بني عثمان خلفاء امرا مطروحا للنقاش على الصعيد الاكاديمي او على صعيد الثقافة العامة لان هذا الامر كان محسوما اكاديميا على الاقل في ان دولة بني عثمان ليست خلافة وانما دولة من دول الاسلام.
هذا الموضوع جديد ومستحدث وهناك من يروجه ويسعى لاقراره كما لو ان خلافة بني عثمان حقيقة تاريخية ولا استطيع لوم مشجعي جماهير برشلونة او ريال مدريد احفاد من اخرج اجدادهم من الاندلس اذا صاروا من مشجعي الخلافة العثمانية فهؤلاء يتحركون بالعواطف ويتعلمون من التلفاز ويبنون اراء ومعتقدات على اساس المسلسل والفيلم ونوع المبارة
كتبت مرة أنه لا خليفة بعد المتوكل، واقصد به المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد اول خليفة عباسي قتله الاتراك وانتهى معه الزمن الذي كان الخليفة يملك ويحكم وانفرط من بعدها عقد الخلافة وصارت ككرة القدم يتقاذفها الاتراك بحيث انه منذ قتل المتوكل وحتى قتل هولاكو لاخر شخص تلقب بلقب الخليفة كان الاتراك وطوال قرن من الزمن يخلعون الخلفاء قتلا او سملا ويأتون باخرين حتى جاء البويهيون الفرس فاقصوا الاتراك وضاروا مكانهم في اللعبة، فلما جاء السلاجقة الاتراك واقصوا البويهيين كان هم طغرلبك (وهو ليس ارطغرل لمن حدود ثقافته التاريخية مسلسل) ان يحصل على لفب سلطان من الخليفة فلما ناله لم يعد للخليفة عند السلاجقة اي ذكر او اهمية فقد اختاروا خرسان قاعدة لهم وليس العراق وبقي هذا الحال حتى دخول هولاكوا بغداد سنة 656هـ كان الخليفة والخلافة طوال الفترة منذ قتل المتوكل وحتى قتل هولاكو للمستعصم منصب شكلي فقد تمزقت الدولة الاسلامية من مشرقها حتى مغربها وكان المنصب الوحيد الذي قد يتنازع عليه المتنازعون قبل البويهيين هو امير الامراء لان من يحوزه يحكم باسم الخليفة منزوع الصلاحيات.
بعيد معركة عين جالوت وانحسار المد المغولي وقتل بيبرس لقطز نشأت اشكالية عند المماليك في انهم طبقة عبيد وبحسب الشرع لا يجوز للعبد ان يحكم كما انهم في الاصل انقلبوا على اسيادهم الايوبيين وكان بيبرس نفسه يعاني من مشكلة قتله لقطز ولكي يصطنع لنفسه وللمماليك شرعية في حكم الشام ومصر اخترع خليفة فاظهر للناس شخصا قال انه من اولاد الخليفة المستعصم الذي قتله هولاكو وسماه المستعصم. وسمته العامة المستعصم الاسود ذلك انه كان ذو بشرة سوداء على غير سمت بني العباس وفي ذلك دلالة على ان الناس كانت مقتنعة بان الخليفة الذي جاء به بيبرس ليس حقيقيا ولكن العبة نجحت، وفي مراسيم احتفالية صنعها بيبرس قام المستعصم الاسود بتقليد بيبرس شؤون الحكم وسماه سلطانا وفوضه بحكم البلاد وعاد بعدها الى بيته، ومنذ ذلك التاريخ صار الخليفة يظهر للناس في كل مرة يتم فيها تتويج سلطان جديد من المماليك ليتوجه ويفوضه بحكم البلاد والعباد ثم يعود الى بيته، وقد يسأل سائل لم لم يتنازل الخليفة عن خلافته دفعة واحدة لبيبرس ويصبح بيبرس هو الخليفة؟ والجواب ان الخليفة بحسب النصوص الدينية يجب ان يكون عربيا وبشكل خاص من قريش لذا فكرة ان يصبح اعجمي خليفة هي فكرة مرفوضة بحكم الشرع والعادة منذ نشأ منصب الخلافة
استمر هذا التقليد الذي عمل به المماليك قرابة ثلاثة قرون حتى دخول قوات سليم الاول الشام ومصر بعد معركة مرج دابق 1516م وقتل اخر سلاطين المماليك طومان باي.
لم يسعى سليم الاول بعد دخوله مصر ليحصل من الخليفة المقيم في مصر على شرعية لحكمه كما كان يفعل سلاطين المماليك لانه بكل بساطة كان يرى نفسه يملك السلطان وهو بمنزلة اكبر من ان يحوز الشرعية من خليفة لا يملك من امره شيئا. كان هم سليم الاول الحصول على المتعلقات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم والتي غدت مع الزمن من رموز الحكم والشرعية وهي البردة والعصاة والخاتم وقد اخذها من اخر خليفة، وهنا تظهر الخدعة التي روجها من كتب عن تاريخ الدولة العثمانية والتي يروج لها اليوم وهي ان اخر خليفة تنازل لسليم الاول عن الخلافة
ان سليم الاول لم يكن مهتما اصلا بالحصول على هذا التنازل، كما انه ما من دليل على انه حدث لقاء بين سليم الاول واخر خليفة تنازل فيه هذا عن الخلافة لذاك عندما رحل سليم الاول عن مصر اخذ معه المتوكل ولكن اخذه للمتوكل لم يكن اكراما له او تقدير بل كان لاسباب سياسية بحتة فقد خاف سليم الاول من بقايا المماليك وان يتحول الخليفة الى رمز يعيد المماليك من خلاله تجميع انفسهم فاخذ معه الخليفة ليفقد المماليك احد اسباب شرعية حكمهم التي استمرت لقرون. بدليل ان الخليفة لم يقم في استانبول بل تم سجنه ان صح التعبير في قلعة خارج استانبول في اقامة جبرية استمرت الى ما بعد وفاة سليم الاول حيث سمح له بعدها بالعودة الى مصر
لم يكن سلاطين العثمانيين حريصين على لقب خليفة ولم يكن يستخدموه الا في قائمة القابهم فالحاكم العثماني كان اسمه في السجلات والمراسلات وكتب التاريخ (السلطان) وليس الخليفة ويفضل السلاطين اضافة اسم (خان) التركي الى اسمائهم على امير المؤمنين فمن اين جاء معاصرونا اليوم ببدعة الخلافة العثمانية والخليفة العثماني متجاوزين حقائق التاريخ كلها
لا شك ان الدولة العثمانية كانت دولة مهمة في التاريخ الاسلامي ولها محاسن عديدة قبل القرن التاسع عشر ولكن تاريخ الاسلام كما يروج الاعلام التركي ومن يشايعه لم يبدأ عام 1299م، والسلطنة العثمانية سبقتها دول عديدة وعتيدة لا تقل عن الدولة العثمانية اثرا في تاريخ الاسلام (الغزنويون، الخوارزميون، مغول الهند...) يراد اليوم محوها ومحو عصر التأسيس الاول وعصر الاباء العظام المؤسسين من العرب وتقزيم تاريخ الاسلام وحصره بالحقبة التركية
ان دولة لم تحكم بالشرع الاسلامي واسقطت الحدود واستبدلتها بالاتاوات وسمحت ببيوت الدعارة ومصانع الخمور وفضلت الذمي على اهل القبلة... كيف تسمى خلافة اسلامية ويسمى حاكمها خليفة لرسول الله؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق