يوم عاشوراء
بين التراجيديا الشيعية والكوميديا العلوية
يوم عاشوراء، بين التراجيديا الشيعية والكوميديا العلوية:
يقع يوم عاشوراء في العاشر من محرم من كل سنة،
وله معنى دينيا عند الطوائف يختلق باختلاف الطائفة وعقائدها فما يعنيه عند
المسلمين يختلف عما يعنيه عند الشيعة الاثني عشرية ويختلف عما يعنيه عند النصيرية
(العلوية) و ان اتفقوا جميعا على يوم العاشر من محرم.
يشكل يوم العاشر من محرم عند الشيعة الاثني
عشرية يوم حزن و نواح و لطم على الذي خذلوه و سلموه الى اعدائه في ذلك اليوم، اقصد
به الحسين بن علي بن ابي طالب. ففي هذا
اليوم من عام 61 للهجرة كان الحسين قد وصل
الى كربلاء في العراق استجابة لمراسلات الشيعة ليقودهم في الثورة على بني أمية ويزيد
بن معاوية وواليه على العراق عبيد الله بن زياد ، فلما حشد عبيد الله بن زياد بن
ابيه قواته لمنازلة الحسين، هرب الشيعة و
تركوا الحسين و اهل بيته وحيدا في المعركة ، و كاد الامر ينتهي عند ترك الحسين
يرحل لولا ان احد شيعة العراق اغرى ابن زياد بالحسين و حرضه عليه و هو الشمر بن ذي الجوشن، قائلا لابن زياد: كيف
تترك الحسين يرحل و هو في ارضك دون ان يخضع لك، فرفض الحسين الاستسلام لابن زياد
فكانت معركة الطف و استشهد الحسين و من معه، و كان الذي قتل الحسين هو الشمر بن ذي
الجوشن و كان ممن بايع عليا و تشيع له و قاتل معه في صفين، و قال الحسين قولته
الشهيرة قبل موته: اللهم انهم دعونا لينصرونا فسلمونا لعدونا، اللهم لا ترضي
الولاة عنهم ابدا - او كما قال -.
وكان كل من شارك في قتل الحسين من اهل العراق
و لم يشترك في قتله احد من اهل الشام و مع ذلك يحمل قتلة الحسين وزر قتل الحسين
لاهل الشام. على مبدأ المثل العربي: رمتني بدائها وانسلت.
لم يكن لقتل الحسين في السنوات التالية لموته
أي معنى ديني حتى كانت سنة 65هـ حيث ظهرت نزعة بين من ادعوا انهم انصار الحسين
فخرجوا بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي يريدون التكفير عما اقترفوه من خذلانهم
للحسين وتركه وحيدا ليقتل يوم كربلاء، فتجمعوا وسموا نفسهم (التوابون) وخرجوا الى
قبر الحسين معلنين التوبة والحزن عما فعلوه من خذلانهم للحسين، ومن حركة التوابين
تشكل جيش بقيادة سليمان بن صرد لقتال بني امية والقصاص من عبيد الله بن زياد لكن
الجيش انهزم في اول موقعة وقتل قادته وانتهى امره في معركة عين الوردة، فكانت هذه
الحادثة هي البداية الأولى للمعاني التراجيدية التي اضفيت على يوم عاشوراء ومقتل
الحسين وأصبحت مع توالي السنين عقيدة وعقدة تحكم عقلية ونفسية الشيعة واضيف اليها
مع الزمن مظاهر الضرب والتطبير وتعذيب الذات بالسكاكين والسلاسل لا سيما في زمن
الدولة الصفوية التي اقتبست واستوردت من اوربا طقوس اللطم والتعذيب من الجماعات
المسيحية التي تمارس هذا النوع في ذكرى يوم صلب المسيح كما ذكر علي شريعتي....
ورغم مظاهر التوبة والندم التي مارسها
التوابون ومن جاء بعدهم على نهجهم الا ان التاريخ يذكر ان هذا الندم الظاهري لم
يمنعهم من قتل بعض ال البيت او خذلانهم لاخرين فقد قتلوا بعد الحسين بن علي اخاه عبيد
الله بن علي بن ابي طالب في الكوفة، قتله اتباع المختار الثقفي الذين ورثوا
التوابين. كذلك فعلوا مع زيد بن علي بن
الحسين مثلما فعلوا مع جده الحسين تماما يوم ثار في الكوفة 121هـ، فقد حرضوه على
الثورة على يزيد بن عبد الملك ثم انفضوا عنه وتركوه يلاقي مصير الحسين...
اما يوم عاشوراء عند النصيرية فهو على عكس ما
هو عند الشيعة، فبدل الحزن و اللطم و البكاء فان النصيريين يحتفلون في هذا اليوم
بالفرح و السرور و الزهور و عبد النور( الخمر )، فالحسين في عقيدتهم هو معنى مثلي
و اسم ذاتي اي هو مثل الله ( المعنى ) و ذات النبي محمد (الاسم ) فالمعنى أزال
الحسين وظهر مثل صورته ، فكيف الله يقتل و يموت؟ و هذا ما قاله شيخهم النصيري
ابراهيم مرهج: " و لسنا بحمد الله من حزب الباكين على ربهم في يوم عاشوراء
". و هو ما صاغه الحسين بن حمدان الخصيبي (ت346هـ) شعرًا:
وباكي يبكي على ربه
لست بحمد الله من حزبه
او كما قال المكزون السنجاري (ت 638هـ):
و ليوم عاشور فعندي و الذي
بسط البسيطة يوم عيدي و الهنا
تذهب النصيرية في قتل الحسين الى القول ان
الحسين حدث معه كما حدث مع عيسى بن مريم ، فان الذين تمالؤا عليه ظنوا انهم قتلوه
لكن في الحقيقة فقد شبه لهم ذلك فلم يقتل و لم يصلب و كذلك الحسين شبه لهم قتله
فألقيت الشبهه على شخص اخر قتلوه ظنا منهم انه الحسين، اما الحسين فقد عرج الى
السماء. كما بين شيخ الطائفة الخصيبي:
سلام على من حجب الله شخصه
وأظهر
للأعداء شبها كصورته
كعيسى وهو عيسى ولا فرق بينهم
يرونه مشهورا ويا حسن شهرته
وقالوا قتلناه وما كان قتله
ولا
صلبوه بل شبيها لرؤيته
كذاك حسينا شبهوه بكربلا
كما شبهوا عيسى سواء كسيرته
أما الشخص الذي شبَّه لهم و ألقيت عليه شبه
الحسين فقتلوه فهو عمر بن الخطاب، فالقتل واقع حقيقة في عمر، لذلك كانت ذكرى قتل
الحسين عند النصيرية يوم عيد و فرح لان المقتول حقيقة هو عمر بن الخطاب و ليس
الحسين، فيقول الخصيبي:
والقتل والصلب على من جنى
بارز
بؤساء في حربه
فإن جهلتم ويلكم شخصه
فمن
نفيل جاء ومن لزبه
ومن صهاك ثم من حنتم
زوجة
خطاب ومن عقبه
اما كيف ألقيت الشبهة على عمر بن الخطاب ووقع به القتل رغم ان عمر مات قبل حادثة كربلاء بعقود
فذلك من باب تفريغ البغض و الانتقام من شخص الذي كسر كسرى. ففي الميثولوجيا
النصيرية فان عمر بن الخطاب لا يموت بل هو باق حتى يرث الله الارض و من عليها فهو
ليس بشريا و ان ظهر بصورة البشر، فهو ابليس الابالسة يتصور في كل وقت بصورة
مختلفة، و عمر بن الخطاب هو احد تلك الصور التي ظهر بها و كل قتل منذ قتل قابيل
لهابيل واقع باطنًا في عمر، فالذي قتله قابيل في الباطن هو عمر، و الكبش الذي ذبحه
ابراهيم الخليل في الباطن هو عمر ، و الحسين الذي قتل في كربلاء هو في الباطن عمر
.... جاء في المصادر النصيرية :
" و كل البطش و المثلة مما ظهر في المعنى
في جميع المقامات واقع بمن جناه و سنة و
هو ابليس الابالسة و فرعون الفراعنة الشيطان المفرد في كتاب الله و هو الثاني لعنه
الله ..." ( 6)
و يختصر المكزون السنجاري في دعاء طويل مخصوص
بيوم عاشوراء عقيدة القوم في مقتل الحسين و انه يوم عيد لان القتل وقع بعمر بن
الخطاب في الحقيقة ... و سنقتصر على بعض الفقرات من دعاء المكزون بما يوضح عقيدتهم
في يوم عاشوراء :
مولاي ... نبرأ اليك ممن كفر نعمتك و انكر
معرفتك و والى اعداءك و عادى اولياءك ... يا رباه يا سيداه يا علياه يا حسناه يا
حسيناه ... اللهم فاشهدنا في هذا اليوم ما اشهدت به اولياءك و ادم لنا في رقدتنا عيدا ... و لا تجعلنا فيه
ممن ندبك و بكاك و دعا الها سواك ... و العن اول قاتل و مقتول فيه و من ال اليه
فهو الصهاكي اللعين و قائد الكفرة و الظالمين و اساس المعاصي في العالمين ... يا
عليا يا عظيم
يذكر ان يوم العاشر من محرم عند المسلمين (السنة)
لا يعني اكثر من يوم سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه للمسلمين لموافقة هذا
اليوم يوم خروج موسى وبني إسرائيل من مصر ونجاتهم من فرعون، والمسلمون أولى
باليهود من موسى
و نختم بقصة قتل الحسين كما ينقلها احد
المصادر النصيرية، يرويها المفضل بن عمر الجعفي نقلا عن جعفر الصادق بزعمه:
قال المفضل: اخبرني يا مولاي عن قصة الحسين
كيف اشتبه على الناس قتله ؟
قال الصادق:
ان الحسين لما خرج الى العراق و كان الله
محتجب به ،صار لا ينزل منزلا الا و يأتيه جبريل يحدثه حتى اجتمعت العساكر عليه ،
فدعى الحسن جبريلا و قال له يا اخي : من
انا ؟ قال جبريل : انت الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم و المميت و المحي ....
قال الحسين لجبريل : أترى هذا الخلق المنكوس يحدثوا انفسهم بقتل سيدهم ؟ انطلق الى
الملعون عمر بن سعد و اسأله من يريد ان يقاتل ؟، فانطلق جبريل الى ابن سعد فوصل
اليه فاخترق مجلسه و حوله قواده و حرسه
حتى وصل اليه ، فقال عمر من الرجل ، فقال جبريل : انا عبد من عبيد الله
جئت اسألك عمن تريد ان تحارب ، فقال عمر : اريد ان احارب الحسين بن علي ،
فقال جبريل : ويحك تقتل رب العالمين و اله الاولين و الاخرين و خالق السموات و
الارض و ما بينهما ، فلما سمع عمر بذلك خاف خوفا شديدا و قال لحاشيته خذوه ،
فقاموا اليه بالسيوف فتفل في وجوههم فخرو منكوسين و خر ابن سعد من على كرسيه ، و
خرج جبريل ، فلما افاقوا قال عمر بن سعد ارأيتم مثل ما رايت ، اخبروني ما العمل ،
فقال شيخ : ربما هو ابليس قد تزيا لنا ، فقال ابن عمر : ابليس احد اعواننا و نحن
من حزبه و جنده و متفقين على قتل ابن بنت رسول الله ، فقال رجل : ان الحسين و اباه
كانا يشتغلان بالسحر و ما رايناه هو من هذا السحر ، فاطمأن عمر و صدق الرجل و قال
سأكون اول من يرمي بسهمه في عسكر الساحر ، فحشد جموعه و على طليعته رجلين حبشيين
عظيمين عيونهما كانهما الجمر ، فققال
الحسين لجبريل : اريدك ان تاتيني بتركيب هذين الرجلين في المسوخية ، فجذبهما جبريل
من على فرسيهما و احضرهما الى الحسين فاذا هما كبشان املحان ، فصاح بهما الحسين :
ارجعا الى ما تعرفان به ، فاذا هما اسودان ملعونان في دماغ كل منهما حديدة تدخل من
دماغه و تخرج من دبره ، فقال الحسين يا اخي جبريل من هذان ، قال يا مولاي هما :
سعد و معاوية، فقال لهما الحسين : كيف رايتما عذابي في المسوخية ؟ فقالا : اشد
عذاب فاخرجنا الى الابدان البشرية فقد عرفنا الحق فارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين
، فقال الحسين لا رحمكما الله و مردودين في المسوخية الف سنة ، فقالا اغفر لنا ،
فقال الحسين رحمتي و عفوي للاولياء و الاصفياء و باسي و نكالي على اعداء الله
الظالمين ، و صاح بهما صيحة ساخا و عادا الى اصحابهما مع عمر بن سعد
قال المفضل : هل كان مع الحسين احد من
المؤمنين الموحدين ، قال جعفر : كان معه مؤمن موحد ستراه معنا ، فحضر ابو الخطاب و
قال : انا كنت مع الحسين
ثم ان الحسين لما احاطوا به طلب جبريل و
ميكايل و اسرافيل ، فقالوا لبيك يا ربنا ، فقال اعتلوني الى الهواء ، فرفعوا
الحسين و غلامه جبريل ثم اخذهم اخذ عزيز مقتدر
قال المفضل : هل كان اصحاب الحسين يرون جبريلا
؟ قال الصادق : نعم و يرون ميكائيل و اسرافيل ، قلت في صورة واحدة ام في صور شتى ؟
قال عليه السلام : بل في صورتنا
قال المفضل : يا مولاي متى رايت جبريل ؟ قال :
اليوم ، قال المفضل : اين؟ قال : في منزلنا ،قلت أي وقت ؟ قال في ساعتك هذه ، اتحب
ان يكلمك ؟ ، قلت : أي و الله ، فسأل الصادق ابا الخطاب : أانت جبريل ؟ قال ابو
الخطاب : و الله انا جبريل و انا الذي وجهني الحسين لعمر بن سعد و انا الذي اكببت
وجوههم في النار و انا المتولي عذابهم ، انا صاحب ادم الاول و صاحب نوح و ابراهيم و دانيال و التابوت و الصحف و موسى و
عيسى و محمد و انا ابو الخطاب و ابو الطيبات و انا مع القائم بين يديه انسف
الظالمين نسفا و انا احيي و اميت و ارزق بامر ربي
ثم اقبل رجلان لم اعرفهما ، فقال الصادق :
اتعرفهما ؟ قلت : لا يا مولاي ، قال : هذان ميكائيل و اسرافيل احدهما كان في
المشرق و الاخر في المغرب ، قلت : ماذا كانا يفعلان ؟قال ارسلتهما في حاجة ، فقلت
جل ربي ما اعظم شأنه ( 8 )
================
مرهج
– شرح ديوان المنتجب العاني – مخطوط – ص 262
2- ديوان الخصيبي – ص 42
3- مرهج – نفس المصدر– ص 171
4- ديوان الخصيبي – 36 ،37
5- ديوان الخصيبي – ص 48
6- الخصيبي – الرسالة الرستباشية – مخطوط – ص
100
7- المكزون السنجاري – ادعية الاعياد – مخطوط
– ص 32 – 37
8- الهفت -ص 96-102
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق