الشيعة والعلويون. تكفير مذهبي وتوافق سياسي
1-الموقف الديني والتاريخي

لطالما اعتبر الجميع أن حافظ الأسد هو رائد العلاقات العلوية-الشيعية ومؤسس الحلف الإستراتيجي بينه وبين إيران منذ أن وصل الخميني إلى حكم إيران من خلف ولاية الفقيه... لم يكن الأسد أكثر من حلقة في هذا الحلف الذي بدأ منذ مطلع القرن العشرين، ولم يكن حافظ رائده بل كان مؤسسو هذا التحالف هم مشايخ ورجال دين من الطائفة العلوية والشيعية بمساعدة وتخطيط من دول استعمار سايكس بيكو.
ينتسب النصيريون إلى محمد بن نصير النميري (مولى لهم) (ت 260هـ)، واسم النصيريين هو الاسم الرسمي المعتمد للعلويين في كل المصادر الشيعية منذ أن ظهرت هذه الفرقة أواسط القرن الثالث الهجري.
 ومنذ أن ظهرت هذه الفرقة وشاعت كاحدى فرق الغلاة في العراق أولًا ثم الشام لم ينظر الشيعة الاثني عشرية إليهم على أنهم من الشيعة، فلم يسجل أي مصدر من كتب الرجال والتاريخ الشيعية القديمة ما يوحي بوجود ود بين الطرفين أو اعتراف من جانب الشيعة بالفرقة النصيرية على أنها من فرق الشيعة، ويتضح ذلك من خلال ما كتبه الشيعة عن محمد بن نصير رأس الفرقة النصيرية (العلوية)، فقد أجمع كل من الطوسي والنوبختي وابن أبي الحديد وابن داوود الحلي والخاقاني والكشي وابن شهرآشوب... وآخرون على أن ابن نصير كذاب غالي ملحد ادعى النبوة وأباح المحارم... ولم يخرجوا جميعهم عن القول التالي وإن اختلفت العبارة فيما بينهم :
«و قالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري و ذلك أنه ادعى أنه نبي و رسول و أن علي بن محمد أرسله و كان يقول بالتناسخ و الغلو في أبي الحسن  و يقول فيه بالربوبية و يقول بإباحة المحارم و يحلل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم و يقول: إنه من الفاعل و المفعول به أحد الشهوات و الطيبات و أن الله لم يحرم شيئًا من ذلك... و ذُكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عيانًا و غلام له على ظهره فرآه على ذلك، فقال: إن هذا من اللَّذات و هو من التواضع لله و ترك التجبر و افترق الناس فيه بعده فرقًا»[i]
وبالمقابل فإن أعلام العلويين بعد ابن نصير بادلوا الشيعة الاثني عشرية نفس الموقف ونفس الكُره واعتبروهم على ضلالة وتقصير في الاعتقاد وكثيرًا ما يشيرون إليهم باسم (المقصرة) ولربما لعنوهم وشتموهم كما نلاحظ في أشعار الخصيبي (260-346هـ) الذي يشبههم بالحيوانات كقوله:
فعُصبَة منهم مُقصرةٌ
تاهوا عن الحق كالبراذين[ii]
  
ويمدح الغلاة ( النصيريين ) و يلعن المقصرة (الشيعة) فيقول:
عن الغلو فديت القائلين به
 
ولعنة الله تخزي من يقصرنا[iii]
  
حتى ان الخصيبي يسخر من طقوس اللطم والنواح التي يؤديها الشيعة يوم عاشوراء في ذكرى مقتل الحسين بن علي،بقوله:
وباكي يبكي على ربه
 
لست بحمد الله من حزبه
  
بكى على المقتول في كربلاء
 
لا خفف الرحمن من كربه[iv]
  
أضف أن العلويين يعتبرون يوم كربلاء وقتل الحسين يوم فرح وسرور لا يوم ترح وبكاء كما يذكر ذلك المكزون السنجاري بقوله:

و ليوم عاشور فعندي و الذي
 
بسط البسيطة يوم عيدي و الهنا[v]
  
وبالمجمل لم يعتبر الشيعة العلويين منهم، وكذلك لم يعتبر العلويون أنهم من الشيعة، وحتى بالاعتماد على المنهج العلمي البحت فإن أصول العقيدة العلوية (السِّرية) ليست هي أصول العقيدة الاثني عشرية. وإن كانت كتب التاريخ ذكرت عن علاقة جمعت الخصيبي شيخ الطائفة النصيرية بسيف الدولة الحمداني الذي كان اثنا عشريا فان الخصيبي قدم نفسه لسيف الدولة على أنه شيعي اثنا عشري بدليل أن كل المؤلفات التي أهداها لسيف الدولة كانت في باب التشيع الاثني عشري لا الباطني النصيري. وما يقال عن علاقة الخصيبي بسيف الدولة يقال عن علاقته المفترضة بعز الدولة وعضد الدولة وعموم البويهيين الذين كانوا شيعة اثنا عشريين.
بدأت الروابط بين العلويين والشيعة تنقطع مع هجرة النصيريين من العراق إلى الشام في نهاية القرن الرابع هـ /العاشر م، وخلال الفترة بين القرن الحادي عشر ونهاية القرن التاسع عشر الميلادي لم يكن من علاقات ربطت العلويين الذين انعزلوا في جبال الساحل الشامي بالشيعة الذين تركزوا في العراق وإيران وأصبحوا على هامش التاريخ بعد أن غاب إمامهم المفترض في سرداب سامراء.
إن البعث العلوي في بلاد الشام والتمهيد والتمكين لهم في العصر الحديث لا ينفصل البتة عن البعث الشيعي في إيران والعراق ولبنان ثم ربط كلا الطرفين ببعضهما تحقيقا لسياسة الدول الاوربية الاستعمارية في إنهاء الوحدة السياسية للدولة العثمانية ومن ثم تقسيم التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا في سايكس بيكو وقيام كل منهما بإيجاد ركائز لاستعمار المشرق العربي اعتمادًا على إضعاف الغالبية المسلمة والتمكين للأقليات الطائفية لتكون الوريث والخليفة لهذا الاستعمار ينوب عنه في حكم المنطقة. ولم تكن فكرة استعمال الأقليات فكرة طارئة في العقلية السياسية الأوربية ذلك أن مرحلة الحروب الصليبية في القرون الوسطى كانت ماثلة تمامًا في عقليتهم يدل على ذلك ما قاله غورو عند قبر صلاح الدين: «ها قد جئتك يا صلاح الدين منتصرًا» وما قاله اللنبي بعد أخذ الإنكليز القدس من العثمانيين: "الآن فقط انتهت الحروب الصليبية[vi]
فمن خلال تاريخ الحروب الصليبية نعلم أن بلاد الشام عندما أخذها الصليبيون أخذوها من الفاطميين وهم من الأقليات الدينية الباطنية، وطوال فترة وجود الفاطميين بمصر كانت اوضاع الصليبيين على أحسن ما يكون ولم يواجهوا مقاومة تذكر، ولم تظهر حركة التحرير إلا عندما تم إسقاط هذه الدولة-الطائفة وظهرت دولة جديدة تنتمي للغالبية المسلمة التي تعيش في المنطقة. وبما أن المستعمر الحديث كان على يقين من أن بقاءه في المنطقة هو مسألة وقت كما كان بقاء الصليبيين مسألة وقت  فقد خططوا منذ وقت مبكر إلا يقعوا فيما وقع به صليبيو القرون الوسطى، لذلك كانت فكرة اعتماد الأقليات الدينية الموجودة في المنطقة هي خير وسيلة لبقاء النفوذ والاحتلال بشكل غير مباشر سيما أن هذه الأقليات قد عُرف عنها منذ قرون أن لا مشكلة جوهرية بينها وبين أوربا بل المصالح المشتركة هي أكبر وأكثر كما أثبت التاريخ ذلك، كمثال: الفاطمييون والصليبييون. الشيعة الصفويون ودورهم في فك الحصار العثماني عن فيينا. الدروز والحلف الذي ربط  فخر الدين المعني بإيطاليا ضد الدولة العثمانية. ومحمد علي باشاالبكتاشي في مصر وعلاقاته مع فرنسا وانكلترا  وتآمره على الدولة العثمانية ومحاولة إسقاطها.
لذا فقد بدأت الاهتمامات الفرنسية بالعلويين في الشام من قبل إتفاقية سايكس بيكو، وتمثل ذلك في الدراسات الجغرافية والاجتماعية والدينية لمنطقة جبال الساحل السوري منذ نهاية القرن التاسع عشر كتلك التي وضعها الضابط الفرنسي كاهون، أو التي وضعها رينه دوسو... وقد دخلت القوات الفرنسية منطقة الساحل منذ عام 1919 أي قبل دخول غورو للشام بنحو سنة.
لقد كانت الخطة الفرنسية في بعث العلويين وتهيئتهم ليكونوا ذراعها في سوريا بعد الاحتلال تقوم على إعادة إنتاج العلويين وفك عزلتهم وتلميعهم وتقديمهم من خلال ربطهم بالشيعة من جهة وتأمين القبول لهم بين أهل السنة من جهة أخرى. وقد مر تاريخ العلاقات بين العلويين والشيعة منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا في أربع مراحل



[i] رجال الكشي-ص323-طبعة حجرية-مكتبة جامعة كولومبيا.
[ii] الموسوعة الشعرية العربية- ديوان الخصيبي –ص 20-مؤسسة محمد بن راشد 2009
[iii] ديوان الخصيبي – ص 29
[iv] ديوان الخصيبي-ص48
[v] إبراهيم مرهج-شرح ديوان المنتجب-ص172-مخطوط
[vi] سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق، ص 149

تعليقات