العلاقة بين المرتدين والتشيع

كان القرن الاول من تاريخ الإسلام هو القرن الذي ظهرت فيه الاصول الأولى للمذاهب و الفرق الإسلامية، و قد لعبت الاحداث السياسية التي حدثت في هذا القرن دورا كبيرا في ذلك و كانت المحرض و الدافع على ذلك حيث شكلت تلك الاحداث البيئة التي ظهرت فيها هذه الفرق. ففي عام 41 هـ و هو العام الذي يسمى عند أهل السنة بعام الجماعة حيث توقفت الحرب الاهلية بين معسكرين هما علي بن ابي طالب و من شايعه و غالبهم من أهل العراق، و معاوية و من شايعه و غالبهم من أهل الشام. عندما وضعت الحرب اوزارها كان المسلمون قد انقسموا واقعا الى ثلاث فرق:
أهل السنة و الجماعة: و تشكلوا بغالبيتهم من انصار معاوية و من وقف على الحياد في الحرب وكان ثقلهم السياسي في بلاد الشام.
الشيعة: و تشكلوا بغالبيتهم من انصار علي و كان العراق ميدانهم و محل استقرارهم
الخوارج: و هم الذين عادوا الطرفين و ظهروا ابتداء كفصيل منشق عن علي بن ابي طالب بعد التحكيم، و كانوا الاقل عددا و لم يعرف لهم في القرن الاول مناطق نفوذ أو سيطرة لكنهم كانوا يظهرون بين الفينة و الاخرى تارة في العراق و تارة في فارس أو شمال بلاد الشام في الجزيرة.
و ما يعنينا هنا في بحثنا هذا هم الشيعة الذين خرجت منهم الفرق الغالية التي تشكل النصيرية احدها. ان تناول تاريخ النصيرية لا ينفصل عن تاريخ الزندقة و ظهورها في القرن الثاني الهجري، كذلك فان تاريخ الزندقة لا ينفصل عن تاريخ المسلمين في القرن الاول و ما حدث فيه خاصة فتح بلاد فارس و ظهور الشيعة خلال النزاع الاسلامي الاسلامي بين علي و معاوية، و كذلك ظهور التشيع و تركزه في العراق دون غيرها لا ينفصل عن حروب الردة و حركة الفتح الاسلامي للعراق فيما بعد و خاصة مقدمات معركة القادسية و ما تلاها. لذا سنستطلع الاحداث بخطوطها العريضة لنفهم كيف ظهر التشيع ابتداء في القرن الاول ثم كيف ظهرت الزندقة في القرن الثاني ثم كيف ظهرت الحركات الباطنية في القرن الثالث و صولا الى القرن الرابع الذي اصبح للتشيع و الحركات الباطنية شأن كبير و دول لها نفوذ و سيطرة على الشأن الاسلامي خاصة في العراق و الشام حيث ظهرت النصيرية و استقرت.
أول حركات الارتداد عن الاسلام كانت للاسود العنسي في اليمن قبيل وفاة النبي-صلى الله عليه وسلم-  و نشأت في وسط يمثل خليطا من العرب و الفرس المسمون اصطلاحا باسم ( الابناء ) و هم سلالة فارسية جلبها اليهودي سيف بن ذي يزن الحميري من فارس قبيل الاسلام ليقاتل بهم الاحباش النصارى الذين كانوا قد سيطروا على اليمن بعيد حادثة اصحاب الاخدود التي كانت ابادة دينية لنصارى نجران على يد اليهودي ذي نواس.
استطاع سيف بن ذي يزن من خلال الحامية الفارسية التي امده بها كسرى ان يخرج الاحباش حلفاء بيزنطة النصرانية، و استقرت هذه الحامية في اليمن و دانت بدين سيف بن ذي يزن ( اليهودية ) و عندما جاء الاسلام اسلم بعضهم صادقا مثل فيروز الديلمي الذي قتل الاسود العنسي في حين بقي كثيرا منهم على دين اليهودية و ان كان قد تخفى بثياب الاسلام، و من هؤلاء المرتدين الذين جمعوا بين الاصل الفارسي و اليهودية و تظاهر بالاسلام كان عبد الله بن سبأ الذي يعتبر المؤسس الاول للتشيع. جاء ابن سبأ من اليمن و طاف في الحجاز و مصر و العراق منذ مطلع خلافة عثمان بن عفان محرضا على قتل عثمان فاستمال بعضا من ابناء الصحابة كمحمد بن ابي بكر و محمد بن ابي حذيفة... لكن كل هذا لم يكن يكفي لاحداث تمرد على الخليفة في الحجاز لذا كان ميدان دعوته الاساسية في العراق لقابلية اهل العراق وقتها للثورة بسبب نوعية العرب الذين سكنوا الكوفة و البصرة
ترجع قصة عرب العراق الى اليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه و سلم ثم مبايعة ابي بكر بالخلافة ثم ارتداد العرب قاطبة عن الاسلام باستثناء اهل الحجاز ( مكة، المدينة، الطائف ) لقد كانت ردة العرب متركزة بغالبيتها في قبائل قيس الذين يعيش غالبهم في نجد و على اطراف الجزيرة الشرقية من عمان حتى العراق... و بعد نحو ثلاث سنوات من القتال الدامي استطاع قادة المسلمين: خالد بن الوليد و شرحبيل بن حسنة و عياض بن غنم ... و اخرون ان يسحقوا تمرد القبائل المرتدة، و لم ينتظر ابو بكر بعدها بل ارسل لخالد ان يتوجه من عُمان الى العراق ليبدأ حرب الفرس من هناك، كما ارسل نحو 17 جيشا صغيرا لترابط على تخوم الشام و تناوش الروم.
 كانت خطة ابي بكر ان ينازل الفرس وصولا لمعركة حاسمة معهم و يشاغل في نفس الوقت الروم ريثما ينتهي خالد بن الوليد من الفرس، لكن ما حدث ان قواد الجيوش في الشام اغتروا بقوتهم فانساحوا في الشام ثم وجدوا انفسهم و قد حاصرتهم القوات البيزنطية، فحصر عمرو بن العاص في فلسطين و عياض بن غنم في دومة الجندل ... مما اضطر ابا بكر ليرسل الى خالد ان ينسحب من العراق بمن معه ( 8000 مقاتل ) لينجد المحاصرين في الشام و كان ما هو معروف من دخول خالد الى الشام و ترك المثنى بن حارثة ليشاغل الفرس في العراق...
 و في الوقت الذي حشد الروم للمسلمين قبيل معركة اليرموك قام الفرس بحرب استرداد في العراق. و مات ابو بكر و جيش الشام على وشك خوض المعركة في اليرموك فارسل عمر بن الخطاب بجيش من نحو 12 الفا بقيادة ابي مسعود الثقفي الى العراق و غامر الثقفي بكل قواته في معركة الجسر مع الفرس التي كانت هزيمة و مذبحة بالمسلمين اذ لم ينج من جيش الثقفي الا 2000 و استشهد 10 الاف فاستغل الفرس الوضع لحرب فاصلة تخرج المسلمين تماما من العراق و حشدوا لهم في الوقت الذي كان معظم قوات المسلمين مشغولة في الشام. كان عمر يريد قوات باي طريقة ليقاتل بها الفرس فاقدم على خطوة كان ابو بكر قد اوصى بعدم فعلها و هي ان لا يستعمل مرتد في قتال ابدا . لذا ارسل عمر رسله الى القبائل المرتدة سابقا يستحثها على الخروج الى العراق بقيادة سعد بن ابي وقاص مع التشديد على سعد ان لا يستعمل مرتدا سابقا في قيادة اكثر من 10 من الجند. لقد مثلت القوات التي قاتلت في القادسية جل الجيش الإسلامي وكان معظمهم من المرتدين سابقا، و بعد انتهاء المعركة امر عمر بتأسيس مدينتي الكوفة و البصرة لتكونا موطنا لتلك القبائل التي قاتلت في القادسية و هكذا نشأت تجمعات للمرتدين السابقين في العراق و بغالبيتها من قبائل قيس على عكس الشام التي استوطنتها القبائل اليمانية...
عندما خرج ابن سبأ اواخر خلافة عثمان يحرض القبائل على الثورة على الخليفة كانت قبائل الكوفة و البصرة هي البيئة المثالية، فهي لها ثأر مع السلطة الحاكمة، و بنفس الوقت لم يعد معظم افرادها للاسلام الا بقوة السلاح خلال حروب الردة اضف لها روح البداوة و السذاجة. لقد استطاع ابن سبأ ان يشكل جماعة في العراق من المرتدين السابقين شكلت النواة لمن غزا المدينة مع بعض المصريين و فيهم بعض ابناء الصحابة التي ذكرناهم ابتداء، فتواعدوا في موسم الحج ودخلوا المدينة و غالب المسلمين في الحج و قتلوا عثمان و انطلقت بعدها شرارة الحرب الاهلية بين المسلمين و لم يكن لمعركة الجمل ان تحدث لاحقا لولا دور السبئيين فيها.
 وفي الوقت الذي اصطفت القبائل اليمانية وراء معاوية بن ابي سفيان مطالبة بدم عثمان اصطفت القبائل القيسية ( المرتدين سابقا ) وراء علي لانه كان النجاة لها من القصاص لذا سار علي الى العراق و جعل من الكوفة عاصمته و كان ابن سبأ و من والاه في جيش علي. و تحول ابن سبأ خلال هذه الفترة من بث الفتنة بعد ان صارت واقعا الى بث الزندقة في اوساط تلك القبائل. و تتفق معظم المصادر التاريخية على ان ابن سبأ نادى بألوهية علي بن ابي طالب في هذه الفترة و ان هناك من تبعه في دعواه تلك و يرجح ان غالبيتهم كانوا من الفرس لان عقيدة تأليه الملوك في الزرادشتية و المانوية الفارسية كانت من مما اعتاد عليه اولئك فاستبدلوا كسرى بعلي بن ابي طالب سيما ان عليا من اقرب الناس للنبي، و في حادثة مسجلة تاريخيا اقدم علي على حرق بعض اولئك و نفى ابن سبأ الى المدائن و بقي هناك حتى قام ابن ملجم المرادي بقتل علي فعاد ابن سبأ ليصرح بالمباديء الاولى للتشيع و الباطنية و هي ان عليا لم يمت بل رفع الى السماء و سوف يعود و ان عثمان كان قد حرف المصحف.... لقد بث ابن سبأ زندقته تلك في اولئك الذين كانوا مرتدين سابقين فتلقفوها و اعتقدوها بدرجات متفاوته فأسس بذلك لفكرة علي ابن ابي طالب في وجدان و عقيدة أولئك الذين سيصار الى تسميتهم: الشيعة ......

ان من قتل خيرة اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم : عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله و علي بن ابي طالب هم حلف المرتدين من العرب و الفرس الذين سيشكل ابناؤهم طليعة الفرق الباطنية... و جميع اولئك الصحابة - و هم من العشرة المبشرين بالجنة - قتلوا غدرا و غيلة. و من لم يستطع المرتدون ان ينالوا منه من الصحابة الكبار قتلا كابي بكر و سعد و خالد و ابي عبيدة سيقتلونه بغضا في عقيدتهم التي ستتشكل لاحقا
خلال معركة الجمل التي اشعل نارها حلف المرتدين و الزادقة الفرس بقيادة ابن سبأ الحاضر الغائب، قتل اثنان من خيرة اصحاب النبي و هما طلحة و الزبير، فخلال تلك الحرب ادرك طلحة و الزبير ان هذا النزال بين المسلمين كان خاطئا لذا قررا الانسحاب، فوجد مؤججو الفتنة ان لو انسحب هذان الاثنان و علم انصارهما بهما لتوقفت الحرب فعاجل احدهم طلحة بسهم ارداه قتيلا و تبع اخر ( ابن جرموز ) الزبير المنسحب و غافله حتى اذا قام الزبير للصلاة اجهز عليه بسيفه و هو ساجد. و بعد انتهاء المعركة هم بعضهم بسبي عائشة ام المؤمنين.... تلك هي النماذج التي تشكل منها اهل العراق في تلك الفترة . لقد كان علي بن ابي طالب في موقف لا يحسد عليه، خيار الناس و اشجعهم و اتقاهم يتبعه شرار الناس و اجبنهم و افسقهم ...هكذا كان حاله بعيد معركة الجمل و لطالما بعدها ندب حظه التعيس مع اعراب العراق، ان قال لهم انفروا لقتال اهل الشام في الشتاء قالوا: حتى يأتي الصيف . و ان ندبهم في الصيف. قالوا: حتى يأتي الشتاء حتى صارت امنيته كما ذكرت المصادر الشيعية قبل السنية ان: لو ان معاوية ينقدني كل عشرة منكم بواحد من اهل الشام.
بعد عودة علي من صفين التي لم ينتصر بها احد اختارت جماعة من اعراب العراق مفارقة علي زعما منها ان علي قد فسق و ارتد عن الاسلام عندما قبل بالتحكيم بينه و بين معاوية فأسست بالتالي للجماعة الثانية من المارقين عن الاسلام: الجماعة الاولى هم الشيعة اتباع ابن سبأ من مرتدي القبائل السابقين و ابنائهم. و الجماعة الثانية: هم الخوارج الذي خرجوا من عباءة الاولين و اسسوا تجمعهم الخاص... و رغم ان عليا اوقع بهم الهزيمة في حروراء إلا ان بعضهم هرب و تخفى حتى حين و على طريقة ابي لؤلؤة المجوسي رتب المنشقون الجدد لقتل علي امامهم السابق كما قتلوا عثمان و طلحة و الزبير و نجحوا في ذلك على يد ابن ملجم المرادي.
اني على يقين لو ان الزمن عاد بعلي بن ابي طالب لما خرج من المدينة و لا جعل من نفسه قائدا على مثل هؤلاء و لترك معاوية و شأنه... لقد خرج بهم و خرجوا به لقتال معاوية و اهل الشام فاذا بهم يقتلونه، و فهمها الحسن بن علي مبكرا بعد ان بايعوه ثم نهبوا معسكره و اوشكوا ان يقتلوه كما قتلوا اباه فاختصر الطريق و هادن معاوية و سلم له الامر و عاد الى المدينة.
لم يكن معاوية و لا بنو امية هم من اسقط الخلافة الراشدة و لم يكن معاوية هو من اسس الملك الجبري بدل الشورى و انما هي الظروف التي صنعها المرتدون السابقون، فهؤلاء هم من قتل عثمان و هؤلاء هم من بايع عليا ثم قتلوه ، ثم بايعوا الحسن و هموا بقتله فكيف يأمن معاوية لهم و يترك الامر لهم ليختاروا سيما ان جيل الصحابة الكبار قد انقضى بقتل علي. و لم تكن من مكافأة يقدمها معاوية لقتلة الصحابة افضل من زياد بن ابيه - رضي الله عنه و ارضاه - فانه ان كان ابا بكر قد ادب مرتدي العرب بحد سيفه فان زياد بن ابيه لم يعدوا اكثر من ان فعل فعل ابي بكر بهم في العراق حتى اذا اوشك زياد على اتمام مهمته مات فانخلع باب الفتنة ثانية و من قبل نفس السابقين الذين قتلوا عمر عثمان و علي و طلحة و الزبير يضاف اليهم ابناؤهم لتعاد الكرة ثانية في تصفية ابناء الصحابة مسلم بن عقيل و الحسين بن علي و عمر بن علي و مصعب بن الزبير...... و مع الوقت اصبحت تلك الفوضى و الغدر و سفك دماء المسلمين عقيدة و عبادة، فمن هذا الخليط بدأت تتشكل العقلية الشيعية....

تعليقات