العلاقات العلوية-الفرنسية حتى نهاية الانتداب الفرنسي على سوريا

وثائق واسرار في طلب الاحتلال

في اواخر سني الدولة العثمانية كان الضعف و الوهن قد سيطر عليها و فككها سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و اصبح موضوع الوجود العثماني مسألة وقت و خاضع للعلاقات الدولية بين الدول العظمى (فرنسا و بريطانيا و النمسا و روسيا ) آن ذاك اكثر من قوة ذاتية للدولة، و كان السلطان سليمان القانوني منذ اواخر القرن السادس عشر قد اوجد موطئ قدم للدول الاستعمارية (فرنسا و بريطانيا ) من حيث لم يقصد من خلال الامتيازات التجارية و الاعفاءات التي قدمها لتلك الدولتين في بلاد الشام و لم يتضح خطر ذلك في حينها بسبب قوة الدولة العثمانية سياسيا و عسكريا و تفوقها، و لكن مع توالي القرون ازداد التدخل الغربي في بلاد الشام و كان كلما زاد ضعف الدولة العثمانية زاد التدخل الغربي و استحكم. و في نهاية القرن الثامن عشر بدا واضحا ان الفرنسيين يولون اهتماما خاصا بالجزء الشمالي من بلاد الشام (سوريا ) دون غيرها في حين كان البريطانيون قد حلوا في مصر بعد محمد علي باشا و مدوا انظارهم نحو جنوب بلاد الشام ، و لم تكن تفاهمات سايكس بيكو لاحقا سوى تأكيد للمؤكد و تشريع لما هو موجود اصلا من النفوذ لتلك الدول في بلاد الشام .
واللافت للنظر في موضوع سوريا، أن فرنسا أولت مناطق العلويين أهتماما خاصًا دون غيرها من المناطق و قبل أن يكون للفرنسيين أي وجود عسكري في بلاد الشام، جاء هذا الاهتمام على شكل دراسات معمقة للمجتمع و العقيدة النصيرية (العلوية)، فأصدر عام 1899م رينه دوسو كتابه (تاريخ العقيدة النصيرية ) باللغة الفرنسية كأول دراسة أكاديمية للعقيدة النصيرية، وقبل ذلك أصدر ليون كاهون كتابه (رحلة إلى بلاد النصيرية) عام 1878م. و من خلال الاطلاع على هذا الكتاب نجد ان كاهون كان ضابطًا في الجيش الفرنسي و على معرفة باللغة العربية و كان هدفه من الرحلة إلى بلاد النصيريين وضع دراسة مفصلة عن الجغرافية العامة لتلك المناطق فيما يتعلق بالتضاريس والسكان والعادات والمجتمع والاهتمامات... و يعتبر كتاب كاهون هذا وثيقة تاريخية مهمة تعطينا فكرة ممتازة عن العلويين و موقفهم من الفرنسيين بشكل يزيل الاستغراب و اللبس عن حقيقة الوثيقة التي كان صرح بوجودها مندوب فرنسا في مجلس الامن منذ عامين حول المطالب العلوية للفرنسيين بعدم الانسحاب من سوريا وعدم الحاقهم بسوريا فيما لو أراد الفرنسيون إنهاء الإحتلال ، وهذه الوثيقة ليست هي الوحيدة بل يوجد غيرها تؤكدها و تتماهى معها في نفس الموضوع .
 و ما هو ثابت تاريخيًا أن الفرنسيين احتلوا مناطق الساحل السوري منذ عام 1919 أي قبل دخول غورو لدمشق بزمن، و قد وقع الكثير منا في عملية تضليل تاريخي عندما عرضوا لنا صالح العلي كأحد الثوار الوطنيين الذين قارعوا الفرنسيين. نعم قاتل صالح العلي الفرنسيين و لكن ليس بسبب احتلالهم لبلاد الشام بل بسبب ما اعتبره صالح العلي موقفا عدائيًا من الفرنسيين تجاهه عندما تدخلوا بالنزاع التاريخي القائم بين العلويين وجيرانهم الإسماعيليين في منطقة مصياف حيث تدخل الفرنسيون لصالح الإسماعيليين و حموهم من المجازر العلوية فما كان من صالح العلي إلا ان وجه حربه من الإسماعيليين إلى الفرنسيين باعتبارهم أعداءً متحالفين مع أعدائه الاسماعيليين[1]
بكل وضوح و صراحة نلحظ مما كتبه كاهون أن النصيريين كانوا يمنون النفس بمقدم الفرنسيين و يطالبون بهذا و يشجعون كاهون على اقناع حكومته لتحتل سوريا و تطرد الأتراك ، و هذه نصوص مأخوذة مما كتبه كاهون و للقاريء ان يحكم بنفسه
يقول كاهون حرفيا :
كنت اسمع الجملة التي يرددها الجميع : متى سيأتي الفرنسيون ؟ ليأت الفرنسيون كرمى لله .. إذا أرادت فرنسا حمايتنا فسنتكفل نحن بطرد الحكومة التركية من طرابلس حتى اللاذقية ... لماذا لا تريدنا فرنسا[2] ؟ ثم يقول كاهون: لاحظت مقدار الحب و المشاعر الذي يكنه النصيريون لفرنسا
و في موضع اخر يقول : كان هناك تساؤل يلوح على وجوه هؤلاء الجبليين و يشغل بالهم : متى سيأتي الفرنسيون[3]
و يقول : أخذت الحلقة بالهرج و المرج مع تعالي صرخات الفرح وانطلقت الأغنية :
وصل السيد الفرنسي بيننا
وجوده من سعد طالعنا
ينبئنا ان فرنسا ستعطينا السلاح
كي نكون عسكر فرنسا[4]
و عند الرحيل قال لي اسماعيل: إقامتك بيننا كانت أشبه بالحلم ... اخبرهم في فرنسا بأننا موجودون و بأن ألامنا تستحق تعاطف الفرنسيين .
بعد ان احتلت فرنسا سوريا قامت عدة ثورات عدة ضد الفرنسيين كان بعضا منها في مناطق اللاذقية ولاسيما تلكلخ وقد ساهم العلويون إلى جانب الفرنسيين في اخمادها وقد ذكر الجنرال غورو في مراسلاته انه ما كان له ان يخمد ثورة تلكلخ – الثورة الاولى التي قامت على الفرنسيين بعد دخولهم سوريا – لولا المساعدات الفاعلة التي قدمها له النصيريون في تلك المناطق[5] ، كان ذلك عام 1919-1920
و لاحقًا قام غورو بتقسيم سوريا إلى دويلات على أسس طائفية بحتة فنال العلويون جزء من سوريا كدولة مستقلة عرفت باسم (بدولة العلويين)[6] حيث أصبحت دولة مستقلة عاصمتها اللاذقية ابتداء من عام 1925، و خلال الوجود الفرنسي وقع حدثين فيما يخص العلويين :
 الأول ثورة صالح العلي و التي تم تزوير تاريخ سوريا و اقحامه على أنه أحد المناهضين للاحتلال الفرنسي في حين أن قتاله للفرنسيين هو لاسباب دينية مرجعها مناصرة الفرنسيين لأعدائه الإسماعيليين.
و الحدث الثاني كان ظهور سلمان المرشد كإله تبعته جموع من النصيريين تحت حماية الفرنسيين و بتمويل و تخطيط منهم كان الهدف منه ضرب السنة في الشام عام 1923، و هذا ما يذكره المندوب السامي (جبرائيل بيو ) حيث يقول :
"لقد قوّى موقعه وتمثيلياته بمساعدة القوى الفرنسية الخاصة (المكتب الثاني) الذين كانوا يرون فيه قبضة في وجه جبهة دمشق، هذه السياسة أعطت ثمارها حين أتيتُ إلى سوريا، عدة السلاح البسيطة بنظري والتي أرسلتها بالخفاء لسليمان المرشد، لم تكن فقط كافية لتهديد قوى الأمن السورية فقط، بل كان بإمكانه أن يضايق بها سلطة الانتداب"[7] 
و اذا تركنا السرد الزمني لفترة الاحتلال وصولا إلى مرحلة المفاوضات على استقلال سوريا – و هي بيت القصيد – فان الوثيقة رقم 3547  تاريخ 15/ 6 / 1936 ، التي ذكرها مندوب فرنسا في مجلس الامن، عن رغبة العلويين بعدم ضمهم إلى سوريا لم تكن سوى رسالة واحدة من ثلاث رسائل أرسلها كبار رؤوس الطائفة إلى باريس لنفس الغرض و هو اقناع الفرنسيين بعدم إلحاق الجبل بسوريا و المحافظة على استقلاله ، و حتى لا نطيل في استعراض محتوى تلك الرسائل فاننا سنقدم فقط مقدمتها و الموقعين عليها ،هذه الرسائل هي :
الرسالة الاولى :
و هي التي اشار لها مندوب فرنسا و التي احدثت الضجة
دولة رئيس الحكومة الفرنسية
بمناسبة المفاوضات الجارية بين فرنسا وسوريا، نتشرف نحن زعماء ووجهاء الطائفة العلوية في سورية أن نلفت نظركم ونظر حزبكم إلى النقاط التالية: إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني. ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.............
الموقعون:عـزيز آغـا الهوّاش، محمد بك جنيـد، سـليمان المرشـد، محمود آغـا جديـد، سـليمان الأسـد، محمد سليمان الأحمد
الرسالة الثانية :
فخامة السيد السامي، بواسطة دولة حاكم اللاذقية الأفخم .نتشرف نحن رؤساء العشائر والزعماء والنواب العلويون بعرض ما يلي: لقد جاءت حكومة الانتداب إلى بلادنا ونحن مستقلون عن كل سلطة في الداخل بقوة سلاحنا ومنعة جبالنا. وهذا الاستقلال الغريزي دفع فريقاً منّا في بادئ الأمر إلى محاربة الجيش الإفرنسي احتفاظا فيه، ولكن الفريق الأكبر منا وثق بشرف فرنسا وتاريخها، فوضعنا يدنا بيد الانتداب الذي قدّر لنا هذه الثقة، فحفظ لنا استقلالنا ونظمه ...........
الموقعون : عزيز هواش – محمد سليمان الأحمد – محمد جنيد – صقر خير بيك – ابراهيم الكنج – يوسف الحامد[8]
الرسالة الثالثة :
دولة ليون بلوم رئيس مجلس الوزراء الفرنسي
سيدي: عطفاً على برقياتنا وكتبنا السابقة، نتشرّف بعرض ما يأتي :إنّ العلويين الذين يشكّلون الأكثرية الساحقة من سكّان حكومة اللاذقية، يرفضون الرفض الجازم رجوعهم إلى النير الإسلامي السنّي، ويذكّرون فخامتكم ورجال البرلمان الإفرنسي على اختلاف الأحزاب بتعهدات المفوضين الساميين باحترام الاستقلال العلوي وعدم إحداث تغيير إلا بعد أخذ رأي العلويين ومواقفهم، وهذه التعهدات تشهد في نظرنا على الأقل كل حكومة فرنسية، بل تفيد شرف فرنسا وكرامتها.إننا نؤكد لفخامتكم بمناسبة المفاوضات الإفرنسية – السورية أن كل اتفاق مع السوريين على قضيتنا مهما كان صغيراً لا يفيدنا مطلقا ولا نعترف به ولا بقانونيته بل نعدّه خروجاً من قبل المفوض الإفرنسي على مبادئ فرنسا السامية وعلى وعودها بل وعلى مبادئ الإنسانية التي لا تجيز لشعب أن يتحكّم بمستقبل شعبٍ آخر دون رضاه...
رئيس المجلس التمثيلي: ابراهيم الكنج[9]
انه من خلال استعراض محتوى الرسائل الثلاثة نجد مبادئ و مطالب واحدة كانت محور التراسل بين العلويين و الفرنسيين ، نختصرها بالتالي :
1.     إن العلويين هم شعب مختلف بعقيدته عن محيطه الاسلامي السني لذا فله خصوصية تميزه عن هذا المحيط الذي لا يكن له إلا العداء أو كما يسمونه (العدو التاريخي (
2.     رفض إلحاق العلويين بالدولة السورية ذات الغالبية السنية و الإصرار على دولة علوية مستقلة في شؤونها كلها و ربط استقلال سوريا بحل المشكلة العلوية
3.     مشاعر العطف و الاحترام التي يكنها العلويون لليهود الطيبين المضطهدين في فلسطين من قبل المسلمين ، و تحذير فرنسا من قيام اتحاد بين سوريا و فلسطين المسلمتين
4.     التأكيد على الخدمات الجليلة و الكبيرة التي قدمها العلويون لفرنسا و على مشاحر الحب و الاحترام التي يكنها العلويون لفرنسا
إن الوثائق الثلاث تلك هي وثائق صحيحة و غير مزورة أو مفتراة على العلويين يشهد بذلك سجلات وزارة الخارجية الفرنسية و لكل وثيقة من تلك الوثائق رقم مسجلة به في الأرشيف الخاص بوزارة الخارجية الفرنسية و هذا بحد ذاته توثيقا يحتج به و يبنى عليه، و يبقى اعتراض يطرحه المكابرون من العلويين و حلفائهم للتشكيك بتلك الوثائق وهو: أن الموقعين على هذه الوثائق من العلويين لا يمثلون العلويين بل يمثلون انفسهم. هل كان الموقعون على تلك الرسائل يمثلون حقيقة المجتمع العلوي ام هم اناس لا يمثلون سوى انفسهم ؟
الجواب عن هذا السؤال يستوجب فهم طبيعة المجتمع العلوي، و بشكل مختصر فإن المجتمع العلوي هو مجتمع قبلي عشائري كان و لا زال إلى اليوم ، فالعلويون يتجمعون ضمن قبائل تشكل بنيان المجتمع، و بشكل أساسي ينحدر العلويون من أربع قبائل أساسية وعشائر صغيرة ليس لها قيمة اجتماعية كبيرة، و خلال الفترة التي كتبت فيها تلك الرسائل كان زعماء تلك القبائل هم ممثلوها و روؤساؤها، و كما هو معروف في المجتمع القبلي فإن علية القوم هم الذين تؤول اليهم أمور الحل و العقد ، و لو استعرضنا القبائل الاربع في ذلك العصر و رؤسائها لوجدنا التالي :
1.     قبيلة الحدادين: أشهرعائلة فيها هي آل كنج و زعيمهم هو ابراهيم كنج
2.     المطاورة: أشهر عائلاتها هم آل هواش و كبيرهم في ذلك العصر عزيز الهواش
3.     الخياطين:  زعماؤهم آل عباس، ومن شخصياتهم المعروفة (جابر العباس) و شوكت العباس حاكم دولة العلويين عام 1939
4.     الكلبية: و فيها عائلتين:  هم  آل جنيد و منهم  محمد بيك الجنيد ، و آل خيربك ومنهم   صقر خير بك  كانا متأرجحين بين نزعة الانفصال و الوحدة مع سوريا ، وكان النجم الحقيقي للكلبية و احد شخصياتها الدينية هو سليمان الاحمد، وابنه بدوي الجبل كان في حالة مد و جزر في ولائه العلوي ، كان اول الامر وطنيًا ثم سكرتيرًا للمتعاون إبراهيم كنج حتى عام 1936 ثم عاد وطنيا ضد الفرنسيين[10]
و يقول باترك سل : في شباب الأسد كان الرجال الذين يتحدثون في السياسة يتداولون أسماء كنج و عباس و هواش  و كانت تطغى على هذه الشخصيات شخصية سليمان المرشد[11]
الآن لو استعرضنا أسماء الموقعين على تلك الرسائل و قارناها بالقبائل و العوائل الشهيرة في تلك القبائل و الشخصيات القيادية في تلك العوائل هل سنصل إلى نتيجة ان الموقعين يمثلون المجتمع العلوي أم لا؟ نترك للقاريء الحكم. الشخصيات الموقعة على الرسائل السابقة هم :
عـزيز آغـا الهوّاش
 محمد بك جنيـد
 سـليمان المرشـد
 محمود آغـا جديـد
 سـليمان الأسـد
محمد سليمان الأحمد
 صقر خير بيك
ابراهيم الكنج
يوسف الحامد
و بالنسبة لسليمان الاسد فان ما ذكره باترك سل عنه يغني، حيث يقول : "واستطاع سليمان بفضل قوته الجسدية و تميزه أن يحرز مكانة اجتماعية مرموقة مكنته و ابناءه من بعده من حجز مكانة اجتماعية مرموقة داخل قبيلة الكلبية بحيث اصبح احد وجهائها

رسائل الوحدويين :
كانت مطالب زعماء العشائر النصيرية من حكومة الانتداب الفرنسي كما لاحظنا سابقا تتمحور حول وجوب عدم الحاق دولة العلويين بالدولة السورية و مطالبين بالاستقلال متذرعين بذرائع اختلاف الدين بالدرجة الاولى، و في الحقيقة هذه الرغبة بالاستقلال لم تكن وليدة مفاوضات الاستقلال بل هي نزعة موجودة منذ وطئ الفرنسيون ارض سوريا و لعل في هذا الجزء من رسالة للجنرال غورو إلى حكومته بباريس في السنة الاولى للانتداب  ما يكشف هذه الحقيقة بوضوح ، يقول غورو في رسالته تلك :
" أُفيدكم بهذا الصدد، أنّ النصيريين الذين يستيقظ شعورهم الإقليمي للحكم الذاتي، منذ لم يعد للأتراك دورٌ هنا لتذويبهم مع المسلمين.......... فقد تلقيتُ برقيةً تفيدني بأن 73 زعيماً نصيرياً، يتحدّثون باسم جميع القبائل، ويطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقلٍ تحت حمايتنا..."[12]
لم تستطع فرنسا تحقيق الاستقلال المنشود للعلويين في دولة مستقلة و باءت محاولات العلويين  بالفشل و قوبلت بالرفض من قبل الفرنسيين (مكرهين ) لاسباب سنذكرها في اخر المقال، فلما أيقن زعماء العلويين بعدم امكانية تحقيق حلمهم بالانفصال و انفضحت حقيقة المراسلات المتبادلة بين العلويين و الفرنسيين  جاءت رسالتهم المطالبة بالوحدة مع سوريا مسايرة لمتطلبات العصر ، و مما جاء في هذه الرسالة :
معالي وزير الخارجية- باريس
جئناكم وقد نفذ صبرنا نشكو سياسة التفرقة المشؤومة التي ما زال يسير عليها ممثلو فرنسا في حكومة اللاذقية حتى يومنا هذا .
إن أغلب هؤلاء الموظفين الموجودين في بلادنا منذ سنوات عديدة ,يستخدمون سلطاتهم المطلقة لمحاربة كل فكرة للتوحيد بين سكان البلد الواحد .وهم لا يفتأون بمختلف الوسائل ,تغرير القلة من المنتفعين حولهم الذين جمعوهم حولهم للمطالبة بالإبقاء على الوضع الراهن ولا غاية لهم سوى ضمان الإستمرار في مراكزهم,وتأمين مصالحهم الخاصة حتى لو كان ذلك على حساب بلادهم , والبلد الذي دعوا لخدمته فرنسا
ويبدو أنهم في الآونة الأخيرة قد تفتق ذهنهم عن وسيلة جديدة للوصول إلى غايتهم:
فبمقابل البيان المتحرر الصادر عن مجلس الوزراء الفرنسي الجديد والمتعلق بتحقيق استقلال سورية ووحدتها أخذوا يستنفرون أنصارهم ووقعوا على عرائض جديدة تشير بصورة غير مباشرة , وإن كان لا لبس فيها,إلى إبقاء حكومة اللاذقية على نظامها الحالي ................
الموقعين على هذه الرسالة طائفة كبيرة من مشايخ النصيريين و بعض المسيحيين[13]
إن محتوى رسالة الوحدويين يركز على ان العلويين مسلمين و عرب و هم سوريين مثلهم مثل باقي الشعب السوري  وان الانفصالييين مجموعة من الانتهازيين هم ادوات بيد السلطات الفرنسية التي تريد تمزيق الوطن الواحد .....
 ان مثل هذا الانشاء لشديد الشبه بما كتبه عبد الرحمن الخير في كتبه عن حقيقة كون النصيريين مسلمين و عرب و وطنيين كما كتب غيره بنفس النفس الوطني و كل ذلك لحرف الانظار عن حقيقة العلويين و عدم تسليط الضوء عليهم .
ان حقيقة كون أن للعلويين خطابين الأول خاص بالطائفة و يقوم على الطائفية و العمل من أجل الطائفة يتم تداوله بين جموعهم فقط ، ازاء خطاب آخر قومي  وحدوي يلبس العلويين لباس الاسلام و العروبة هو حقيقة لا شك فيها ، و لولا هذا ما كان لهم أن يخترقوا المجتمع السني ويخدروه في الوقت الذي كان التخطيط و المكر منصب على التمكين للطائفة العلوية و بقيادة مشايخهم الدينيين (سليمان الاحمد ، إبراهيم مرهج، عبد اللطيف مرهج ، عبد الرحمن الخير ....) لذلك ليس من الغرابة ان يكون غالبية الموقعين على وثيقة الوحدة هم من مشايخ النصيريين، و كما قلنا كان للعلوية في كل مراحلها في العصر الحديث خطابين و خطين لهما قيادة واحدة و لكنهما متشعبين الاول قاده رجال الدين و كان خطابا تخديريا للمجموع السني (تعتبر مؤلفات عبد الرحمن الخير نموذجا مثاليا لذلك )، و الثاني تآمري نفذته القيادات العشائرية (السياسية) ثم انتقل عملها لطبقة العسكريين التي ظهرت في الجيش وتم التمكين لها بواسطة الفرنسيين و العديد من المخدوعين من السنة مثل اكرم الحوراني وامين الحافظ... ان كلا من وثيقتي الانفصال و الوحدة مع سوريا هما من مصدر واحد و ليس من فريقين متعاكسين و ان بدا في الظاهر ذلك ، فالانفصاليون سعوا لتحقيق الانفصال فلما أيقنوا ان ذلك غير ممكن تدخل الدينيون بوثيقة تخديرية لمسايرة الوضع و لتزييف الحقيقة و هذا يشابه إلى حد بعيد   ما حدث في الستينيات فقد قامت القيادة العسكرية و السياسية للعلويين (جديد – الاسد – ماخوس ) بصفقة تسليم الجولان فلما احست القيادة الدينية بان الوضع يوشك على الانفجار من قبل السنة بسبب هذه الفعلة مما قد ينعكس على الطائفة نفسها خطت خطوة استباقية فأعلن عبد الرحمن الخير عن بيان تتبرأ به الطائفة من افعال العسكريين ثم لاحقا بعد ان استتب الامر و لم يحدث شيئ تبرأ الخير مما قاله و انكره و لم يسمع له انتقاد لحافظ و افعاله[14]
اذا كان كاتبو العرائض المطالبة بالاستقلال حفنة قليلة من العلويين لا تمثل الا نفسها فكيف عرف كاتبو عريضة الوحدة ان الانفصاليين ابرقوا للفرنسيين؟ و كيف عرف الوحدويون بالمحتوى الذي تضمنته الرسائل الانفصالية حيث نجد في رسالة الوحدويين ما يدل على ان كاتبيها على علم و دراية بما تحتويه رسالة الانفصاليين مثل قولهم ان حجة الانفصاليين هي اختلاف الدين بين العلويين و المسلمين ؟
ان تسلسل التواريخ المؤرخة للوثائق يدل على ان الوحدويين تداركوا فشل الانفصاليين و غطوا عليه بوثيقة سايرت حقيقة انه لا يمكن الانفصال في تلك الظروف ، فرسائل الانفصاليين مؤرخة بين 8 و 11 حزيران 1936، و رسالة الوحدويين جاءت بعدها بعشرين يوما ، في 2 تموز 1936، تبع ذلك في 4 كانون الاول من نفس العام اجتماع جمع المندوب السامي الفرنسي مع المجلس التمثيلي لمدينة اللاذقية و هاشم الاتاسي اعلنوا فيه ضم حكومة اللاذقية للجمهورية العربية السورية
أما لماذا لم يستطع العلويون الانفصال بدولتهم و هو ما سعى له كاتبو الرسائل الثلاث المطالبة بالانفصال فان الجواب نجده عند المندوب السامي  جبرائيل بيو ، حيث قال :
" إنّ سلطة الانتداب اضطرت لضم بلاد العلويين للدولة السورية بسبب أن العلويين لم يصلوا إلى مستوى حكم أنفسهم بأنفسهم، حتى عاصمتهم اللاذقية، لم تكن قط علوية من حيث السكان، فهي مدينة سنية أولاً ويتبعهم الروم الارثوزكس من حيث العدد."[15]
و نفس الامر قاله  جاك فوليرس:
 أن سلطة الانتداب الفرنسي، والتي كانت تشجّع استقلال دولة العلويين، تراجعت عن تلك السياسة لسببين، السبب الأول أن الطبقات الشعبية لم تصل إلى مستوى فهم الفرصة التاريخية لبناء دولة، والسبب الثاني أنّ دولة العلويين كانت من الناحية الاقتصادية فقيرة جداً لتحمل أعباء مصاريف دولة، فكان على سلطة الانتداب ضمها لباقي دول المشرق التي كانت تحت الانتداب الفرنسي[16]
عندما انسحبت فرنسا من سوريا لم ينتهي دور رعايتها لللاقليات و منهم العلويين بل تغير الاسلوب فبدل انشاء دولة مستقلة خطط لهم بالسيطرة على سوريا ابتداء من خلال جيش المشرق –الذي ضم الاقليات الدينية و العرقية – هذا الجيش الذي رفضت فرنسا تسريحه بل اصرت على بقائه و اعتماده كنواة للجيش السوري ، و لاحقا ستكون عملية الانقلابات العسكرية عملية غربلة و اصطفاء للوصول بالاقليات للحكم و لم يعد سرا اليوم ان كون الانقلاب الاول (انقلاب حسني الزعيم) عام 1949 كان وراءه الفرنسيون و الامريكيون ثم توالت الامور حتى ثورة البعث سنة 1963و استتباب الامر للعلويين في اخر انقلاب لحافظ الاسد عام 1970. وما كان لبشار الأسد ان يخلف اباه لولا موافقة فرنسا على ذلك بدليل ذلك اللقاء الرسمي الذي جمع بشار مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل عام 2000 دون ان يكون لبشار وقتها أي صفة رسمية.
بنهاية الامر لم يكن هناك انفصاليون و وحدويون بل جماعة واحدة عملت من اجل طائفتها و سايرت المتطلبات و تلاءمت معها و جيرتها لصالحها و لو كان ما نعلمه من حاضر هذه الطائفة يبشر بخير و يعطي مثالا حميدا عن اخلاقها لتجاوزنا الموضوع واعتبرناه زلة من البعض و لكن عندما نرى اصرارا و تصريحا بلا مواربة على تدمير سوريا حجرا حجرا و سحق اهلها فاننا لا نستطيع سوى ربط الواقع بالماضي فاحداث التاريخ سلسلة مترابطة متصلة يقود بعضها إلى بعض بترابط منطقي لا تنفصل فيه المقدمات عن النتائج و من لم يقنعه ما ذكرناه من ماضي هذه الطائفة فان في واقعها الحاضر ما يغني عن التاريخ






[1] محمد كرد علي-خطط الشام
[2] ليون كاهون-رحلة إلى بلاد العلويين-ص35
[3] نفس المصدر السابق-ص42
[4] نفس المصدر-ص73
[5] جعفر الدندشي-قراءة جديدة في تاريخ سوريا الحديث-ص16
[6] خلال تقسيم سوريا ظهر لاول مرة مصطلح (العلويين) بدل النصيريين و اعطيت دولة العلويين علما خاصا بها حيث تظهر شمس في وسطه و هي دلالة على الاله (علي) المحتجب في عين الشمس
[7] الدندشي-نفس المصدر-ص36
[8] محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية- سوريا/لبنان-مجلد492-493
[9] محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية- سوريا/لبنان-مجلد492-493
[10] باترك سل –الاسد و الصراع على الشرق الاوسط -  ص 38-39
[11] نفس المرجع السابق - ص 40
[12] الدندشي-نفس المصدر السابق-ص16
[13] محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية -سورية/لبنان- مجلد 492/493
[14] مقالة حمص والنصيرية في وثيقة وحيد العين-محمد سرور زين العابدين- الموقع الرسمي لزين العابدين-26/6/2012
[15] الدندشي-نفس المصدر-ص40
[16] الدندشي-نفس المصدر السابق-ص33

تعليقات