عن المناذرة والغساسنة

بتأثير المصادر التاريخية الاسلامية التي كتبت عن العصر الجاهلي والتي ارادت ان تظهر الفرق بين الاسلام وما قبله فقد بث المؤلفون في حديثهم عن العصر الجاهلي نظرة سلبية عن العرب وما يعنيهم قبل الاسلام، فمدحوا الاسلام من خلال اظهار مثالب ما قبله، فاصبحنا نحن العرب عندما نتكلم عن تاريخنا فيما قبل الاسلام نتكلم بازدراء علما ان حال العرب قبل الاسلام هو افضل بكثير من حال غيرهم ولا يعقل ان الله تعالى قد اختار خير الدين وخير الرسل وخير الاتباع وجعلهم في شر الامم... وما يقال عن عرب الجزيرة العربية في تشويه الصورة والتاريخ يقال ايضا عن عرب الشام والعراق فنجد ان المصادر والمراجع التاريخية تعطي صورة سلبية للعرب الذين سكنوا العراق والشام والجزيرة قبل الاسلام على انهم كانوا العوبة بيد الفرس والروم وتظهر الامر كما لو ان العرب كانوا كرة يتقاذفها الفرس والروم فيما بينهم، والحقيقة انه هناك سوء فهم واسقاط لمعطيات الحاضر على الماضي بشكل لا موضوعي وليس مطابقا للواقع الماضي 
لقد كان نهر الفرات حدا فاصلا بين الامبراطوريتين الفارسية والرومانية وكانت المناطق الحدودية بين فارس والروم وهي العراق العربي والشام مناطق صدام دائم وتنازع ولم يكن بامكان ساكنب هذه المناطق وهم العرب ان يقفوا على الحياد كما لم يكن بامكانهم ان يكون لهم كيانهم السياسي المستقل بسبب وقوعهم في منطقة نزاع عالمية اضافة لانعدام الوحدة الاجتماعية التي سببتها الانتماءات القبلية، ورغم هذا فان العرب لم يكونوا تبعا للفرس او الروم، فلو كان عرب العراق تبعا للفرس لكانوا اعتنقوا الزرادشتية بينما الواقع يقول ان عرب الحيرة ملوك العراق حلفاء الفرس كانوا نصارى. ومن اعتنق النصرانية وهم غالب العرب في الشام والعراق لم يعتنقوها بسبب تبعيتهم للروم لانه في زمن تحول القبائل العربية الى المسيحية لم يكن الروم بعد قد اعتنقوا المسيحية ونبذوا الوثنية، وهم -اي نصارى العرب- عندما ساندوا الروم في حروبهم ضد الفرس بعد تحول الروم الى النصرانية فانهم ساندوهم بدافع الولاء الديني لان كليهما على نفس الدين وليس لانهم تبعا او خدما للروم. وقد بقي نصارى العرب موالين لبيزنطة بعد الاسلام بدافع ديني وكان الذي تحايل على مسلمة بن عبد الملك ليفك الحصار عن القسطنطينية هو شخص يرجح ان اصله عربي نجح في فك الحصار ودخل القسطنطينية وتوج امبراطورا عليها باسم ليون الثالث الايسوري، وقد اسس سلالة حاكمة حكمت بيزنطة لعدة قرون، وكان نقفور فوكاس صاحب القصة المشهورة مع هارون الرشيد من نسل الغساسنة، فكيف يكون من هذا حاله تابعا للروم؟ 

لقد حارب المناذرة الى جانب الفرس وحارب الغساسنة الى جانب الروم من منطلق مصلحة اكثر منه ولاء او حربا بالوكالة، فعبور الروم نهر الفرات الى العراق كان يعني سقوط دولة المناذرةلذا دافع المناذرة عن مملكتهم وان بدا هذا الدفاع في بعض جوانبه قتال مع الفرس، ونفس الامر بالنسبة للفساسنة فقد قاتلوا الفرس مع الروم دفاعا عن مملكتهم التي ستنهار لو عبر الفرس الفرات الى الشام، اضق الى ان هناك سبب ديني اجج نزاع المناذرة والغساسنة وهو اختلاف الكنيسة التي يتبع لها كل طرف، فالمناذرة كانوا نساطرة والغساسنة كانوا يعاقبة
ان بقاء العرب في الشام والعراق محافظين على هويتهم ووجودهم بين قوتين متصارعتين مختلفتين عرقيا ولغويا لهو من اهم الادلة على ان العرب لم يكونوا تبعا لاحد اذ لو كانوا تبعا لاندمجوا وذابوا بين الفرس والروم كما حدث لشعوب كثيرة في اوربا واسيا، ويشهد التاريخ الجاهلي انه كثير ما تمرد العرب على الفرس والروم وواجهوهم عسكريا فقد حارب بنو اياد في الجزيرة الفراتية الفرس وقتلوا منهم ايام سابور الثاني الذي لقب بذي الاكتاف بسبب ما فعله ببني اياد، وحارب بنو شيبان الفرس في ذي قار المعركة المشهورة قبيل الاسلام.... فالامر لم يكن مطلقا بتلك الصورة السلبية التي تصور عرب الجاهلية

تعليقات