عقيدة وحدة الوجود عند الصوفية والباطنية



عقيدة وحدة الوجود عند الصوفية والباطنية:تعني عقيدة وحدة الوجود انه في الاصل لم يكن من وجود غير وجود الله ولا شيء معه، وكل ما ظهر بعد الله فعن ذات الله ظهر ومنه تفرع وليس هناك غير الله وان بدا ان الوجود متعدد فهذا التعدد جاء من الله وعنه صدر وهو تعدد في الظاهر لا في الحقيقة, فليس هناك من حقيقة الا الله.
تعود عقيدة وحدة الوجد الى ما قبل الاسلام ولها جذورها في الديانات البراهمية والكونفوشية والفلسفات الاغريقية التي شكلت الروافد للعقائد الغنوصية التي جاءت منها العقائد الباطنية الصوفية
لم تظهر عند الفرق الصوفية عقيدة وحدة الوجود دفعة واحدة بل ظهرت على مراحل حتى تكاملت عند ابن عربي بالشكل المعروف لها. ففي البدء عرف التصوف وحدة الشهود التي تمثلت في شطحات ابي يزيد البسطامي ومن بعده الحلاج، حيث صعد ابو يزيد البسطامي ليتحد بالله ويفني وجوده العارض في وجود الله الازلي ويصير هو هو. فقال: دعاني باسمه وكناني بهويته وناجاني باحديته، قال: يا انا ...
بينما اهبط الحلاج الله الى الارض ليكونا شيئا واحدا، وعبر عن هذه العقيدة بقوله شعرا:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نـــــحن روحان حللنا بدنا
فــــــإذا أبصرتني أبصرته *** وإذا أبصــــــــرته كان أنـــا
ثم تطاول الزمن بهذه العقائد حتى وصلت الى وحدة الوجد على يد ابن عربي الذي له عبارات صريحة في اقراره بوحدة الوجود مثل قوله:
انه ما في الوجود الا الله
ويقول: " وهو من حيث الوجود عين الموجودات"
" وما ثَمَّ الا وجود واحد والاشياء موجودة به معدومة بنفسها"
ويقول: "... الوجود كله واحد في الحقيقة لا شيء معه..."
يؤصل الصوفية عقيدة وحدة الوجود من خلال قولهم: ان الله فاض بنوره على الهباء (اللاشيء) فظهر عن ذلك الوجود بشكل متسلسل عن بعضه، فكان قمته الحقيقة المحمدية (محمد) وما دونه سائر الموجودات، فالفيض من ذات الله كان كالنهر الجاري منبعه من الله ومصبه عند نهاية الخلق وبالتالي فكل ما في الوجود جاء من ذات الله فيضا وليس خلقا منفصلا عن ذات الله، فالله موجود في كل شيء وهو حقيقة كل شيء من العرش حتى الفرش وليس هناك وجود غير وجود الله
واعتمادا على هذه العقيدة فان عملية الخلاص والوصول الى (الجنة) هو في باطنة وحقيقته فناء الانسان في ذات الله حتى يزول وجوده الحادث في وجود الله الدائم وهذا يقتضي الصعود في الدرجات للعودة الى الاصل (الله). وهي عملية عكسية لعملية الخلق، فالوجود جاء فيضا عن الله كالماء المتدفق من المنبع (الله) الى المصب (الانسان) وعلى الانسان ان ينتهج طريق المعرفة ليرقى درجة درجة حتى يصل الى المنبع (الله) ليعود الفرع (الانسان) الى الاصل (الله) الذي جاء منه. وعن هذا الاصل ظهرت الطرق الصوفية كالشاذلية والنقشبندية ... فالطريقة هي الاسلوب الذي يتبعه السالك المقتدي بشيخ ليصل الى الخلاص. وتعدد الطرق الصوفية هو نتيجة تعدد الاولياء الذين نحى كل منهم منحى مختلفا للوصل الى الله عبر المعرفة (معرفة الله) وليس عبر العبادة فالمعرفة عندهم اجل واعظم من العبادة المتمثلة باركان الإسلام والاوامر والناهي، يقول البسطامي:
اطلع الله على قلوب اوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفا، فشغلهم بالعبادة ... الجنة جنتات: جنة النعيم، وجنة المعرفة، فجنة المعرفة ابدية، وجنة النعيم مؤقتة ... عجبت ممن عرف الله كيف يعبده .
ويظهر عند كبار الصوفية أحيانا تهكما بالعبادات وسخرية من الجنة والنار لانها بنظرهم هي مطالب للعامة ممن لم يعرف حقيقة الله والغاية من الخلق وطريق الخلاص. فقد روي عن ابي يزيد البسطامي ان ذا النون ارسل اليه مصلى فقال: ما اصنع به؟ وجه الي متكأ اتكئ عليه . وقال مرة: لم ار من الصلاة الا نصب البدن ولا من الصوم الا جوع البطن ونقل عنه انه قال: الجنة لعبة صبيان .
لا يختلف الصوفية في عقيدتهم هذه في الخلق ووحدة الوجود وما يترتب عليها عن العلويين (النصيريين) في شيء. فالعلويون يعتقدون أيضا ان الخلق جاء فيضا عن الله، فظهر عن نور الله نورا هو: الحجاب/ محمد، فكان الوجود، ثم فاض عن محمد نورا فكان الكون وما فيه من خلق وكلهم جاء بشكل متسلسل بعضهم عن بعض. وجميع ما في الوجود عن الله ظهر يقول ابن شعبة الحراني:
"أن حِجَاب الله الأعلى الذي ليس له فرق ولا فاصلة من مبديه ومنشيه، هو العقل الأوَّل المحيط بالكلّ قوَّة وقدرة وعَظَمة وجلالة وكبرياء ومهابة ، وهو مُحدِث الوجود وإليه نهاية العالَم ... قائم بالقوَّة والقدرة الإلهيّة والعَظَمَة، فائض عن ذاته سائر الذّوات من مبدع الكلّ ... وهو من الوجود في كلّ موجود ... جميع ما في الكلّ فيه ومنه وعنه ظهر، لا يخلو منه شيء، ولا يحيط به شيء، وهو اسم الله العظيم ...

وحلاص الانسان من وجوده المادي الجسدي –بحسب العقيدة النصيرية- يقتضي منه ان يسلك طريق المعرفة لا العبادة، فالله بزعمهم لم يفرض على الانسان أي عبادة بل فرض عليه ان يعرفه ومن كملت معرفته ارتقى في الدرجات صعودا حتى يعود الى اصله النوراني الذي جاء منه، اما العبادات والاوامر والنواهي فهي للعامة من المقصرة من اهل الظاهر. جاء في كتاب الهفت:
"... ما وضعت الاصار و الاغلال الا على المقصرة. و الاغلال هي الفرائض الظاهرة لازمة لاهل الظاهر مفروض عليهم اقامتها و رفع ذلك عن المؤمنين البالغين المقريين بربوبية امير المؤمنين لقول الرسول صلى الله عليه و سلم: من عرف الله بحقيقة المعرفة سقط عنه حد التكليف و الاغلال و الاصار. و التكليف هو هذه الاوامر الظاهرة لم يكلف الله المؤمن العارف بها و باقامتها"
وبنفس الطريقة التي يتهكم بها البسطامي على الجنة، يتهكم شاعر النصيرية المكزون السنجاري فيقول
رغبت بالنار فرحت زاهدا في جنة بوعدها غيري يغتر
ويعلق سليمان الأحمد على هذا الشعر بقوله: هو تعريض بامال النواصب (اهل السنة) بالجنة.
وبالجمل فان عقائد الصوفية في وحدة الوجود وما يترتب عليها من كفر بحق الله تعالى واسقاط التكاليف واستبدال العبادة بالمعرفة... هي نفسها عقائد النصيرية. ولقد كان التلفزيون السوري (النصيري) في فترة ما قبل الثورة له برنامج باسم (مدارات) يديره شخص علوي ويستضيف شيوخ من الشيعة والعلوية والصوفية لترويج مثل هذه العقائد تحت عنوان الفلسفة الاشراقية... وهذا النهج في الاعلام لم يقتصر على التلفزيون السوري وحسب بل كان نهجا عالميا حتى ان منظمة اليونسكو اتخذت من عام 2007 عاما للاحتفال بجلال الدين الرومي احد رواد عقيدة وحدة الوجود ووزعت في بريطانيا وحدها مليون نسخة من كتبه. واذا عرف ان الصوفية والباطنية يشتركون مع القبالة اليهودية في هذه العقيدة بطل العجب، ويذكر ان الفيلسوف اليهودي سبينوزا كان قد طور نظرية وحدة الوجود ليجعل منها وحدة الوجود المادية كنظرية اخترقت المناهج السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ولئن كان عوام الصوفية على جهل بعقيدة وحدة الوجو.د بسبب انها تحتاج إمكانيات عقلية لفهمها فان خواص الصوفية من أصحاب الطرق المعروفين ككفتارو وأبو النور خورشيد والشيخ رجب... على علم بها ويعتقدونها ويدافعون عنها وعن صاحبها الذي اصلها لهم الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.

تعليقات